كوفيد 19 و أثره على الالتزامات التعاقدية



تتعدد مصادر الالتزام بين العقد والإرادة المنفردة والفعل التقصيري والإثراء غير المشروع والقانون.

وقد احتاط القانون للحفاظ على توازن العقود اثناء تكوينها بنظريتي الغبن والاستغلال، كما احتاط كذلك لتحقيق نفس الهدف عند تنفيذ العقود بالقوة القاهرة والحدث الفجائي ونظرية الظروف الطارئة في القوانين للدول التي تنص عليها.

ومن مظاهر التدخل القانوني لحماية المدين رغم إناطته بالتزام يتوجب عليه تنفيذه أحكام الاعسار

فالقاضي يعطي المدين بالدين نظرة الميسرة كي يتدبر أمره ويستطيع تنفيذ أداء التزامه او دينه

ويمكن للمدين رغم حجز أمواله لدائنيه أن يطالب بتسديد ما يسد نفقته ونفقة من تجب لهم عليه فنظام الاعسار تدخل من القانون لصالح كل من الدائن والمدين ،فإذا تصرف المدين لا يسري تصرفه على دائنيه بأن يكون غاشا لهم بتفويت أمواله كي لا ينفذ عليها .

وإذن الالتزام يُنشأ إنشاء اعمالا لسلطان الإرادة، ويقابل في الواقع هذا السلطان سلطان القانون وسلطان القضاء أحيانا

فمهما كان سلطان الإرادة قد يتدخل القانون للحد منه وكذلك قد يتدخل سلطان القاضي للعب نفس الدور إذا سمح أحيانا القانون بتدخله او حتى ولو لم يوجد نص كما هو الشأن في القضاء الإداري

وتدخل القانون يمكن رصده في مظاهر عدة منها على سبيل المثال الشكلية والعينية والحيازة في العقود كبيع ومعاوضة وشركة في عقار او حقوق منقولة يمكن رهنها رهنا رسميا والعطايا والرهن الحيازي والعارية ومنع الغبن ومنع الاستغلال( حالة المريض والحالات الأخرى المشابهة ) ومنع التعسف وحماية المستهلك في عقود الإذعان وحماية الطرف المشترط عليه الشرط الجزائي (الفصل 264 من ق ل و ع.)

ونظرية الظروف الطارئة في القانون الإداري العام وفي القانون الخاص في قوانين الدول التي تأخذ بها حتى في هذا القانون.

سلطان الإرادة في إنشاء الالتزامات:

المبدأ في إنشاء الالتزامات هو سلطان الإرادة لمكتمل أهلية الأداء، المدرك لمصالحه يفاوض عليها من أجل تحقيقها. فإذا ضُمن لكل طرف حرية الإرادة في التصرفات التي يأتيها وكان ممتلكا لهذه الإرادة ملك سلطة استعمالها فلا يحد عليه فيها مبدئيا. ومقابل ذلك عليه أن يتحمل الالتزامات التي عقدها على نفسه، وفي ذلك التوازنُ المنشود في عملية التعاقد لأن كل طرف يفترض أنه يدرك مصلحته في تصرفه ويحرص على تحقيقها ببذل بدل منه وأخذ مقابله.

ولكن القانون لم يطلق في هذه القاعدة لسلطان الإرادة، وكان لا بد من مراعاة أوضاع تقتضي بالضرورة نشدانا للحفاظ على التوازن في البدلين لعملية التعاقد أن يتدخل أحيانا بقواعد تنشد هذا التوازن وتحافظ عليه، وهو توازن بين اقتصاديات العقود الذي ينعكس استقرارا اجتماعيا وعدالة بين أطراف العقود فلا ضرر ولا ضرار، ولا غبن ولا استغلالا ولا اجحافا وإثقالا لكاهل لحساب آخر، كما لا يجوز الإفراط في استعمال الإرادة إلى حد المساس بالنظام العام والآداب والأخلاق الحميدة.

فقد يلحق من عقد غبن طرفا فيه وهو قاصر أو يغبن مع تدليس غير دافع له فيخول قانونا حق طلب إبطاله وقد يستغل متعاقد مرض الطرف الآخر او طيشه او هوى جامحاً فيه نحوه فيأخذه بأثرة لنفسه تفقد العقد توازنه الاقتصادي وقد يشرع القانون نوعا من العقود بينة الإجحاف على الطرف الضعيف فيما يسمى عقود الإذعان للحاجة الماسة إلى خدمات أساسية لا غنى عنها فيأخذ صاحب الامتياز فيها برقبة المرتفق ولا يجد بدا من الانصياع للعقد على ما أراده فيه من بنود وشروط يوافق عليها مريدا لها او غير مريد فلا يفاوض فيها ولا يناقش في هذه البنود تفرض عليه فرضا فكان لزاما عند النزاع أن يعطى القضاء سندا قانونيا لإعادة التوازن إلى العقد وخاصة الجانب الاقتصادي والمالي فيه وهو ما يسعى لتحقيقه قانون حماية المستهلك في هذه العقود للاستفادة من خدمات المرافق العامة والقروض البنكية

ومن مظاهر تدخل القانون وعبره القضاء لفرض التوازن في العلاقات القانونية التعاقدية الإمكانية المخولة للقضاء لخفض تعويض الشرط الجزائي او زيادته وفق ما يحقق العدل والإنصاف ويرفع الجور والحيف وذلك ما ينص عليه الفصل 264 من ق ل وع .

ودائما من باب مراعاة التوازن وحفظ المصلحة المشروعة يوازن القانون ولو بدا ذلك خروجا عن القواعد العامة إذ إن لكل قاعدة شواذ من ذلك إدارة المال المشاع من قبل مالك 3/4 الملك فتخضع إرادة مالك أو مالكي أقل من ذلك لإرادة الطرف الآخر لكن في حدود عملية التسيير والإدارة لا في التصرف والتفويت فلا يجوز أن يفوت على ملك ملكه مهما قل نصيبه إلا باتفاقه إلا استثناء وتحت شروط يراعى فيها المصلحة للشريك ولا يتضرر شريكه الآخر كبيع الصفقة في الشرع الاسلامي.

 وإذا كانت مقاربات القانون لمعالجة أوضاع من شأنها الإخلال بتوازن العقود عند تكوينها فإن هذه الأوضاع التي اقتضت تلك المقاربات لا تقتصر على مرحلة تكوين العقود ولكنه قد يوجد من الأوضاع المقتضية لتدبير اختلال توازن العقود كذلك عند تنفيذ الالتزامات المترتبة عنها فقد يثقل على الملتزم تنفيذ التزامه إلى حد ارهاقه نتيجة حدوث أحداث طارئة وقد يكون من شأن هذه الأحداث أن يستحيل التنفيذ.

فما هو الالتزام؟ وكيف يتأثر بعوامل عند تكوين العقد الذي ينشئه؟ وهل يتأثر أيضا بعوامل عند تنفيذه وما دور المرض في التأثير على العقود ومن ثم على الالتزامات المترتبة عنها؟ وما هو مرض كوفيد19 ؟ وهل يؤثر سلبا على العقود إنشاء وتنفيذا للالتزامات المتولدة عنها؟

ما هو الالتزام ؟

الالتزام يعرفه بعض الفقه بالرابطة الشخصية بين دائن ومدين يترتب عليه بمقتضاها نقل حق عيني او القيام بعمل او الامتناع عن عمل، فأوجه الالتزام اما نقل حق عيني ويخص ذلك المعاملات في الحقوق العينية سواء منها العقارية او المنقولة او المعنوية او قياما بعمل او امتناعا عن عمل

ويلاحظ أن تعريف الفقه هذا يعطي الأهمية للناحية الشخصية في الالتزام أو علاقة الدائنية  والمدينية وهو اتجاه او تيار يبدو أنه منتقد ويجب إيلاء الأهمية للعنصر المادي او المالي في الالتزام ذلك أن الالتزام ولو مع تغير الدائن والمدين فيه يبقى قائما ويرتب أثره في حق المدين الجديد بأن ينفذه ولو كان قد نقل إليه من دائنه وهو ما تجيزه حوالة الحق او الدين.

وليس لزاما كذلك أن يوجد الدائن وقت نشوء الالتزام ومن هنا انتفاء كون العلاقة الشخصية هي الأساسية فيه لأنه قد يوجد مدين دون وجود دائن كما في الوعد بجائزة والوصية والوقف فقد يعد واعد بجائزة لمن يعثر على شيء ضائع منه يسترده أو يعد بمنح جائزة للفائز او الفائزين في مسابقة علمية فلا يظهر الموعود لهم المستحقون إلا بعد تحقق ما وعد من أجله.

وكذلك قد يوصي الموصي لمن سيولد بعد أن يعقد وصيته له وهي تجب بعد موته فإذا وجد الموصى له بعد موته استحق الوصية وهو دائن بها ولو لم يكن موجودا عند الوصية من الموصي وكذلك الشأن في الوقف يقفه واقفه على من سيوجد وسواء كان جهة بر وإحسان او جهة عامة أو مؤسسة دينية او خيرية او كان شخصا او أشخاصا او عقبا للمحبس إلى أن ينقطع نسله وكل ذلك التزامات يجب تنفيذها على من أنشأها على نفسه ولو كان الدائنون بها غير موجودين عند هذا الإنشاء .

ويعد من قبيل الحالات غير الموجود فيها دائن بالالتزام عند الإنشاء عقد الاشتراط لمصلحة الغير يكتفى بإمكانية وجوده كرب عمل يعقد مع طبيب عقدا لتقديم خدماته الطبية لأجرائه أيا كانوا حتى من يستأجرهم بعد عقد العقد وكعقد التأمين على المسؤولية المدنية للمؤمن له وغيرها من الأمثلة والحالات.

ولذلك فإن العنصر المالي في الالتزام هو الأهم ويأتي العنصر الشخصي ثانيا وإن كان لا يمكن أن يكون للالتزام قائمة بدونه فهو ركن فيه .

ولذلك فإن تعريف الالتزام منظورا فيه إلى طابعه المادي او المالي يصفه بأنه حالة قانونية يرتبط بمقتضاها شخص معين بنقل حق عيني أو بالقيام بعمل او الامتناع عن عمل (السنهوري المجلد الأول) والشريعة الإسلامية الغراء في نفس التحديد للحق بالحالة الناشئة عن التعاقد فتعرف الحق في بعده المادي النفعي  لا الالتزام.

وأهمية نظرية الالتزام كما جاء عند الأستاذ السنهوري في القانون المدني بل والقانون العام كذلك لا تخفى، فهي بمثابة العمود الفقري للجسم ، ومكانها كمكان نظرية القيمة في علم الاقتصاد، وتشتمل على حقائق اقتصادية واجتماعية وأدبية، ولا أدل على ذلك من تأثرها بمختلف العوامل المرتبطة بهذه الحقائق.

فمن الناحية الاقتصادية أدى الاستغلال الاقتصادي القوي والمكثف باستعمال الآلات والمعدات المقترنة بمخاطر تهدد صحة وسلامة العمال إلى ظهور المسؤولية المفترضة يقوم الخطأ فيها افتراضا في جانب أرباب المعامل والمصانع، وهم من يجب عليهم دفع المسؤولية عنهم بدلا من تطلب الدليل في حق العمال المتضررين. وهذا مثال لتأثير الاقتصاد على الالتزام في المسؤولية التقصيرية وإن انصبت دراستنا على الالتزام التعاقدي لأن العبرة بالالتزام أيا كان مصدره فهو يلقي تبعته على المدين به.

ومن مظاهر تأثير عوامل الاقتصاد على الالتزام ظهور عقود التأمين على المسؤولية المدنية عقدية كانت او تقصيرية لمجابهة ثقل ووطأة الالتزامات الناشئة عن هاتين المسؤوليتين.

وما ظهور العقود الجماعية كذلك إلا مظهر للتأثيرات الاقتصادية على الالتزامات العقدية وذلك نتيجة تجمع الرساميل والاستثمارات الضخمة ومن قبيل هذه العقود عقود الشغل الجماعية المبرمة بين أرباب العمل وبين نقابات العمال والعقود النموذجية وعقود التزام المرافق العامة.

والعقود النموذجية عقود تجارية دولية معدة سلفا من جمعيات وهيئات مهنية تحتوي على مجموع الشروط العامة التي استقرت في عادات وواقع التجارة الدولية.

واما عقود التزام المرافق العامة فهي أيضا عقود تعد سلفا وهي عقود إذعان كعقود الماء والكهرباء والغاز والقروض البنكية.

وعقود المرافق العامة تتأثر بالعوامل الاجتماعية كعقود العمل ويعد عقد العمل وعقد الإذعان نموذجين لتأثير العوامل الاجتماعية على نظرية الالتزام ويبدو هذا العامل بالنسبة لعقد العمل في مختلف الصيغ القانونية لضمان حقوق العمال.

وأما عقود الإذعان في خدمات المرافق العامة ومنها الأبناك بالنسبة إلى القروض فإن الحد من شطط أصحاب الامتياز فيها يعالج القانون مسألته بتشريع خاص هو قانون حماية المستهلك يتولى القضاة تطبيقه ولا يتوقف هذا التطبيق على إثارته من الطرف المحمي به.

وبالإضافة إلى تأثير عوامل الاقتصاد والعوامل الاجتماعية على الالتزام في تحديده وتحديد أثره يتأثر كذلك بالعوامل الأدبية.

ومن ذلك المبدأ القاضي بعدم جواز الاتفاق على ما يخالف الآداب والنظام العام، ومبدأ أن الغش يفسد العقد، ومنع التعسف في استعمال الحق . كل ذلك يعد تطورا في الالتزام بتأثير العوامل الأدبية والأخلاقية .

العقد المنشئ للالتزامات:

العقد اتفاق ارادتين على إحداث أثر قانوني أيا كان هذا العقد ملزما لجانبين أو لجانب واحد رضائيا أو شكليا أو عينيا محددا أو عقد غرر، وأيا كان الحق الذي يتولد منه الالتزام به عينيا أو شخصيا وأيا كانت طبيعته مدنيا او تجاريا او إداريا .

وقد يصدر الالتزام عن إرادة منفردة وهي غير العقد الملزم لجانب واحد الذي لا يتم الا باتفاق ارادتين، ومثاله عقد الوديعة بدون أجر يلتزم الوديع أن يحافظ على الوديعة وأن يردها إلى المودع ولا يلتزم المودع شيئا بينما في الالتزام المترتب عن تصرف الإرادة المنفردة كالوعد بجائزة والوصية والوقف يلتزم المتصرف وفق تصرفه الصادر عنه بإرادته وحده دون إرادة الطرف الآخر الدائن له.

وبإنشاء العقود تتولد عنها التزامات مرادة للتنفيذ، فثمرتها هي تنفيذها ولا ينفع عقد لا نفاذ له.

لكن تنفيذ العقد لأنه إيجاب على الملتزم لا يحول تكونه باتفاقه عليه دون حقه في المطالبة بدفع آثاره عنه اما بطلانا أو إبطالا أو فسخا أو انفساخا أو استحالة في تنفيذه او دفعا في هذا التنفيذ بإرهاقه وتحميله خسارة فادحة .

كل هذه الأوضاع تقوم أسبابا للمطالبة بحقوق للملتزم لرد التزامه المستحق عليه بالعقد الذي أنشأه.

وكي لا نطيل الكلام على الأوضاع القانونية التي يَبطل فيها العقد ويزول الالتزام بالتبع لذلك أو يُبطل أو يفسخ او ينفسخ بحكم القانون فإن مقاربة تأثر الالتزامات التعاقدية بمرض كوفيد 19 تقتضي أن نعرض لمدى هذا التأثير إما ببطلان العقود المرتبة للالتزامات في جانب المدينين او تعذر تنفيذها او إعادة التوازن الاقتصادي لها كي يحق للدائنين تنفيذها على المدينين أو التراخي فيها لتنفيذها مع عدم ترتب أي جزاء.

تأثير المرض على إرادة الملتزم أثناء تكوين العقد

بالإضافة إلى بطلان العقود بطلانا مطلقا طبقا للفصل 306 من ق ل وع في حالتي نقص ركن من أركانه أو إن قرر القانون بطلانه يلحقه الابطال بسبب عيوب الإرادة أو إذا قرر القانون كذلك إبطاله ولذلك يلحق العقود بطلان بنص القانون أو يلحقه إبطال كذلك بنص القانون فإن حصول عيب من عيوب الإرادة أثناء تكوين العقد يعطي الحق لمن عيبت إرادته أن يطلب إبطاله بسبب تلك العيوب وهي معدودة حصرا في القانون من غلط وتدليس واكراه وغبن وبالإضافة الى هذه العيوب نص القانون على حالة المرض والحالات الأخرى المشابهة كالطيش والهوى الجامح.

 وببطلان العقود او إبطالها أيا كانت أسباب البطلان او الابطال تزول هذه العقود ويستتبع زوالها زوال الالتزامات التي رتبتها  .

وللإحاطة ولو بإيجاز بحالات البطلان والابطال القانونية نبادر إلى القول بأن البطلان يتقرر عند نقص ركن من أركان العقد : العاقدين والمحل والسبب وركن الشكل وركن التسليم عند الاقتضاء  وبمقتضى نص في القانون كتفويت تركة حي (ف 61 من ق لو ع) وقسمتها بين من يفترض أنهم ورثته والقرض بفائدة بين المسلمين (ف 870 ق ل وع) وتنازل شريك عن حقه في طلب قسمة المال المشاع او المشترك (ف 978 من ق ل و ع)  وبطلان عقود المقامرة والرهان والالتزامات المترتبة عنها والتزامات اتفاقات تعليم أعمال السحر والشعوذة وأدائها (ف 729 من نفس القانون )

الابطال المقرر بمقتضى القانون:

يدخل في حالات الإبطال بنص في القانون حالة المرض التي ستكون محل تحليل في هذه الدراسة لصلة هذه الحالة بمرض كوفيد 19 للوقوف على تكييف تأثيره على العقود والالتزامات من وجهة نظر القانون إذ إن طابع القاعدة القانونية أنها عامة ومجردة وتوقعية وملزمة.

وتوجد أمثلة أخرى لإبطال العقود وزوال الالتزامات المترتبة عنها منها على سبيل المثال الفصل 485 من قانون ل و ع يخول المشتري أن يطلب إبطال بيع ملك الغير إذا لم يقره هذا الغير والفصل 1085 من ذات القانون يجيز لدائن شريك تقاسم مالا مشاعا مع شركائه دون حضوره مما أضر بمصلحته طلب ابطال القسمة

ورجوعا إلى المرض في تكييفه القانوني من حيث إنه حالة يجوز فيها للملتزم أن يطلب إبطال عقده الذي التزم فيه وهو مريض، ومن ذلك مرض كوفيد 19 ويعتبر لذلك حالة للإبطال بنص القانون وليست من قبيل نص القانون على الابطال بسبب عيوب الإرادة .

ومرض كوفيد 19 او فيروس كورونا المستجد أو الفيروس التاجي المستجد أو فيروس المتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة من فيروسات كورونا او الفيروسات التاجية التي تسبب أمراضا عدة منها الالتهاب التنفسي الحاد الوخيم .

ويعرف قبل هذا المرض مرض ( سارس) ومرض (ميرس) او متلازمة الشرق الأوسط التنفسية وايبولا وانفلونزا الطيور وانفلونزا الخنازير.

واكتشف مرض كوفيد 19 في شهر ديسمبر من سنة 2019  في مدينة ووهان الصينية وتفشى وانتشر في بلدان العالم بوتيرة رهيبة فلم يكن من منظمة الصحة العالمية إلا أن أعلنته جائحة في مارس 2020

مفهوم الجائحة

يجد مفهوم الجائحة اصله في الشرع الإسلامي ومعناه اللغوي الاهلاك والاتلاف لمال او نفس ولا يختلف مفهومها في اللغة عن المعنى الاصطلاحي الفقهي فعرفها ابن عرفة بأنها "ما أُتلف من معجوز عن دفعه عادة قدرا من ثمر او نبات بعد بيعه "

والمقصود بالمعجوز عن دفعه كل حدث لا يستطاع دفعه مثل الحريق والمطر والغرق والريح العاصفة والزلازل والفيضانات والحروب وغيرها والأمراض الخطيرة الوخيمة المهلكة للزروع والحيوانات والإنسان والمعطلة للحركة التجارية والاقتصادية مثل مرض كوفيد 19 وقد قيد ابن عاصم رحمه الله في نظم التحفة الجائحة بعدم القدرة على دفعها بقوله في عبارة جامعة :

وَكُلُّ مَا لاَ يُسْتَطَاعُ الدَّفْعُ لَه // جَائِحَةٌ مِثْلُ الرِّيَاحِ المُرْسَلَة.

أما وضع الجوائح عن المشترين - ومفهوم الشراء أو البيع في الشرع يشمل جميع المعاوضات وليس البيع بالثمن النقدي فقط - فإن أصله ما جاء في الموطأ قال حدثني يحيى عن مالك عن أبي الرجال محمد بن عبد الرحمن عن امه عمْرة بنت عبد الرحمان أنه سمعها تقول : ابتاع( اشترى) رجل ثمر حائط (بستان ) في زمان رسول الله فعالجه وقام فيه (تعهده)  حتى تبين له النقصان ( أي عن القدر الذي اشتراه) فسأل رب الحائط ( البائع ) أن يضع له او ان يقيله (ينقص الثمن أو يتنازل عن البيع ) فحلف ألا يفعل فذهبت أم المشتري إلى رسول الله فذكرت ذلك فقال رسول الله:  تألى (حَلَفَ ) ألا يفعل خيرا فسمع بذلك رب الحائط فأتى رسول الله رب الحائط، فقال يا رسول الله هو له. (نزل للمشتري عن الثمر على نقصه دون ثمن). وذلك وضع للجائحة عن المشتري بعد ما علم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حَدَّثَ بأن وضع الجائحة عن المشتري منه هو خير له .

وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك حديث شريف قال فيه : "من باع ثمرا فأصابته جائحة فلا يأخذ من أخيه شيئا على ما يأكل أحدكم مال أخيه".

وعن جابر رضي الله عنه أنه قال: "أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بوضع الجوائح ".

ويعني وضع الجوائح عن المشترين تحمل تبعة هلاك المبيع او تلفه كله أو تلف ثلثه فما فوق من البائعين لأنه لا يزال في ضمانهم لعدم قبضه وإن كانت التخلية الحاصلة عند عقد العقد ينتقل بها الملك للمشترين إلا أن البائعين لا يزالون لم يكملوا التوفية وهي التمكين بالقبض للمبيع من المشترين

وقد لخص الشيخ خليل أحكام الجائحة في مختصره بقوله:   "وتوضع جائحة الثمار كالموز والمقاثي (كالبطيخ والخيار والقرع ويسمى كذلك الفقوس ) وإن بيعت على الجذِّ وإن من عريَّته ( بمعنى جواز شراء المُعرِي عريته لترخيص الشرع له والعرية هبة تمر النخيل مدة عام فيجوز أن يشتريه المعري رُطَبا قبل يبسه يعجل الثمن لمن أعراه فإذا جِيح التمر وُضعت الجائحة عن المشتري الواهب ) لا مهرٍ (فلا توضع الجائحة عن زوجة مهَرها زوجها ثمرا أو شيئا هلك بجائحة لأن الزواج مبني على المكارمة لا المشاحة) إن بلغت ثلث المكيلة ( ولا مفهوم للمكيلة ويدخل في الجائحة كل مكيل او موزون او معدود)  ولو من كصَيْحانيٍّ او بَرْنيٍّ ( صنفان من التمر) وبُقِّيت لينتهي طِيبُهَا  وأفردت او ألحق أصلها لا عكسه او معه ...إلى أن يقول : وهل هي مما لا يستطاع دفعه كسماوي وجيش أو وسارق خلافٌ وتعيبها كذلك.

ويستفاد من نص الشيخ خليل الآنف الذكر أن الجائحة في الفقه توضع عن المشتري بشروط ثلاثة:

1 - أولاها إن بلغت الجائحة ثلث المبيع فأكثر يستنزل من الثمن قدره إن أبقي على البيع أو ينفسخ البيع كله .

2 -  ثانيها إن بقيت الثمرة في أصلها لانتهاء طيبها لا لغرض آخر وإلا لا توضع الجائحة.

3 - ثالثها لا جائحة في بيع الثمر مع الأصل أو إلحاق الأصل بها.

ويقصد من هذه الشروط حفظ مصالح كل من البائع والمشتري من أجل ألا تكون الجائحة وسيلة أو ذريعة للمشتري يأخذ بها مال البائع بالباطل.

ومهما يكن من أمر فإن مالك الشيء يضمنه وله خراجه لذلك وهو نتاجه وغلته وما لم يقبض المشتري ما اشتراه وهلك جائحة ولو ملكه ولم يكمل البائع توفيته توضع عن المشتري الجائحة إذا أصابت فوق ثلث المبيع ويصدق مفهوم الجائحة على كل ما لا يستطاع دفعه ويتسبب في هلاك ما بيع بيعا مدنيا او تجاريا، بيعا وطنيا أو دوليا.

ومرض كوفيد 19 وإن صنف بأنه جائحة فإن وخامته وفتكه بالإنسان لا بالأموال، لكن تأثيره من فتكه بالإنسان يتسبب في أزمات اقتصادية واجتماعية فلا يتأتى مع تفشيه وانتشاره والذعر من الإصابة به مباشرة الأنشطة الاقتصادية والتجارية والمعاملات المدنية وتتعطل الأعمال والدخول فيعجز الملتزمون بعقود سابقة عن ظهوره عن توفية التزاماتهم ومن العقود ما تحدها آجالها كعقود الكراء والتامين وعقود الوعود وعقود البيع المؤجلة الوفاء والعقود المقترنة بشروط أو آجال واقفة أو فاسخة أو عقود التوريد او الاستصناع أو عقود التصدير والاستيراد وغيرها من العقود الكثيرة والمتعددة.

ومن وجهة نظر القانون والفقه كذلك فإنه يبدو بداهة أن مرض كوفيد 19 إذا اقترن بتكوين العقد أيا كان العقد بدأ من الطلاق بين الزوجين إلى أنواع العقود التبادلية جميعها المدنية والتجارية والإدارية وعقود الإرادة المنفردة  تنطبق عليه أحكام المرض المعتبر حالة إبطال بمقتضى القانون وفقا للفصل 54 من ق ل وع وذلك متى شفي منه المريض الذي تصرف في أمواله مع الغير بعوض وإلا إن مات من مرض كوفيد 19 فإنه يعطاه حكم المريض مرض الموت سواء تعلق الأمر بالمعاملات العوضية أو غير العوضية، فكيف ينطبق على مرض الكوبيد 19 حكم المريض الذي يشفى منه وكان قد تصرف بالبيع أو المعاوضة أو الشركة او غيرها من العقود العوضية؟

وللإجابة على هذا التساؤل يبدو أن المقاربة الرصينة الكفيلة بتقديم حلول واضحة أن نتناول بالمقارنة وتتبع التحليل الممنهج لأحكام الفقه القانوني في نظرية الاستغلال وهي نظرية تعالج مسألة الإخلال بتوازن العقود ولا سيما في جانب اقتصادياته ما لم يكن للمتعاقد المريض من سبيل للمطالبة بإبطال العقد للغبن الذي لحقه إذا كان قاصرا أو غبن مع التدليس غير الدافع عليه.

ذلك أن حالة المرض يُقدّرُ أَثَرَهَا في إبطال العقد القاضي بأن كان فيه جور وحيف وعدم توازن بين البدلين.

وغبن المريض مرضا شفي منه إذن هو الغبن الفاحش بأن كان فوق ثلث القيمة ولم يكن قاصرا أو لم يثبت التدليس غير الدافع أو كان دون ثلث القيمة و لكنه فاحش ومضر بالمريض المتعاقد ولم يكن مكرها لأن الإكراه وحده سبب للإبطال ويتبين أن المتعاقد  معه استغل حالته من المرض ليحصل على العقد معه ويغبنه غبنا فاحشا ، ومن هنا سمي بالغبن الاستغلالي فما يميز غبن المريض أنه غبن استغلالي وجدت لدى الغابن نية استغلال حالة المريض ليحصل على بدل في العقد لا يعادل في قيمته البدل الذي يقدمه.

ودلالة المرض وفقا للفصل 54 من ق ل وع عامة في كل معاملة عوضية بيعا وغيره بخلاف المريض مرض الموت قَصَرَ حُكْمَهُ الفصل 479 من نفس القانون على المريض مرض الموت.

وفي حالة بيع او معاوضة او شركة أو أي معاملة عوضية من مريض مصاب بكوفيد 19 إلا أنه شفي منه طبق حكم الفصل 54 المشار إليه فهو وإن كان مرضا قاتلا فتاكا إلا أن الشفاء منه وارد فإن شفي المريض به وكان قد عقد عقدا عوضيا بيعا وغيره وغبن فيه غبنا فاحشا مضرا به جاز له أن يطلب إبطال العقد على أن يثبت اصابته بالمرض وحصول العقد وهو مريض، ووجود غبن فاحش عليه في البدل الذي أُدِّي إليه من المتعاقد معه ، ونيته في استغلال حالته من مرض كوفيد 19 للحصول منه على العقد منه لأكل ماله بالباطل فيبطل القاضي عقده وهو كما سبق القول إبطال بنص القانون، وليس إبطالا لعيب الإرادة .

مرض كوفيد 19 مرض مميت أدى إلى موت المريض المتصرف في مرضه

ليست نظرية مرض الموت في الرأي المعتمد والغالب في الفقه كنظرية قانون ل و ع فيه من عدة أوجه، ففي الفقه حكم النظرية عام في جميع المعاملات العوضية وغير العوضية وفي الطلاق بما فيه طلاق الخلع وطلاق التمليك، يطرد نفس الحكم ألا وهو أن المريض مرض الموت  لا حجر عليه في معاملاته العوضية وتبطل معاملاته غير العوضية من هبة وصدقة وغيرها إلا ما كان من تحولها إلى وصية لغير الوارث.

1- طلاق مريض كوفيد 19المتوفى منه.

طلاق مريض كوفيد 19 الذي يُتوفى منه وخلعه وتمليكه الطلاق لزوجته وفراقها له تمليكا لطلاقها ، ترثه ويرثها في كل طلاق او تطليق ولو بائنا فلا يسقط حق إرث أحدهما من الآخر المتوفى ولو كان الطلاق قد أنهى العلاقة الزوجية، إلا أنه عند وقوعه كان المتوفى مريضا بهذا المرض لتوفر شرط المرض المخوف فيه وهو أنه مرض فتاك وغير متطاول وحصلت الوفاة اتصالا به، وفي مختصر الشيخ خليل " ونفَذ خلعُ المريض ووَرِثته".

2 - تصرفات مريض كوفيد 19 غير العوضية:

عطية المريض بكوفيد 19 الذي يصاب بالموت منه تخرج مخرج الوصية ، فتبطل عطيةً من هبة وصدقة وحبس وغيرها وتؤول وصيةً تحمِل من تركة المريض الهالك ثلثَها لغير الوارث وتجوز للوارث بإجازة الورثة وتحتاج إلى الحوز .

لكن إذا لم يمت من مرضه فإن عطيته هبةً وغيرها صحيحةٌ وملزمة له لأنه لا يتهم بشيء على ورثته وعلى دائنيه.

ومن الجدير بالملاحظة أن مرض كوفيد 19 تنطبق عليه شروط المرض الذي تبطل به التبرعات لأنه مرض مخوف لحكم الأطباء ومنظمة الصحة العالمية بأنه مرض مهدد بالموت وفتاك قاتل ولأنه غير متطاول في الزمن فهو يصيب المصاب وبعد مدة قد يشفى منه او يودي به، والفقه على أن المرض الذي يطول بصاحبه لا يبطل به تصرفه غير العوضي ولو مات منه لأنه لا شبهة على المريض بأنه أراد حرمان الورثة من إرثه او الدائنين من توفية ديونهم.

3 ـ تصرفات مريض كوفيد 19 العوضية.

في ق ل وع لم يعرض المشرع لمرض الموت إلا في البيع بمقتضى الفصل 479 منه ويقتصر لذلك حكمه علي البيع دون المعاملات العوضية الأخرى من معاوضة وشركة وكراء وقرض وعارية وقسمة وغيرها من عقود مسماة أو غير مسماة تبادلية.

ويبدو أن العقود العوضية التبادلية لا يختلف حكم المريض مرض الموت فيها فلا معنى أن يبطل عقد البيع لمرض الموت لوجود محاباة فيه لأحد الطرفين ولا يبطل عقد معاوضة مثلا لمريض مرض الموت حابى فيه أحد الطرفين الآخر.

إلا أن الإشكال يطرح في تطبيق أحكام الشرع في مرض الموت في غير البيع لاختلاف هذه الأحكام عن أحكام بيع المريض مرض الموت في ق ل وع.

والذي يتجه أن فراغ ق ل وع من أحكام مرض الموت في غير البيع يقتضي تطبيق أحكام الشرع خاصة وأنه في غير المعاوضات تطبق حتما هذه الأحكام.

ومهما يكن من أمر نعرض لأحكام الشريعة بصفة عامة في معاوضات المريض مرض الموت وخاصة مرض كوفيد 19 بوصفه مرضا مميتا ولبيع المريض به في ق ل وع.

تصرفات مريض كوفيد 19 المتوفى منه العوضية في منظور الشرع الإسلامي

القاعدة في الشريعة الإسلامية أنه لا حجر على المريض في معاوضاته لأنه لا يتهم بشيء فيها فهو مالكُ أمواله ويملك حق التصرف فيها بالتفويت العوضي فلا يخرجها من ذمته بلا ثمن وإنما يعاوض بها بثمنها نقدا وغيرَه فلا يوجد سبب للحجر عليه فيها وفي ذلك قول الشيخ خليل رحمه الله: "وحُجر على مريض في غير مؤْنته وتداويه ومعاوضة مالية"

وقول صاحب التحفة:

وَمَا اشْتَرَى المَرِيضُ أَوْ مَا بَاعَا -- إِنْ هُوَ مَاتَ يَأْبَى الامْتِنَاعَا.

وهذا المنع للحجر على المريض في معاوضاته بما فيها البيع يراعى فيه معادلة قيمتي العوضين فإذا تعادل العوضان ولم تكن زيادة او نقصان في أحدهما لا يبطل التصرف بيعا وغيره وهو ما يصطلح عليه بالمحاباة، فينظر إلى ما زاد او نقص في قيمة أحد العوضين بوصفه محاباة أي عطية تبطل لأن المحابي مريض بكوفيد 19 المميت ومات منه فعلا فلا يجوز أن يحابي بماله وتبطل محاباته في حدودها لا العقدُ كله ، فإذا باع مثلا بثمن يقل عن قيمة الشيء وهو مريض بهذا المرض وتوفي منه فإن المبيع وفق أحكام الفقه يقتصر على البيع فيه على ما عادل منه الثمن كأن يكون باع مثلا هكتارين من أرض وكان الثمن لا يعادل إلا قيمة هكتار واحد فإن البيع صحيح في هكتار واحد بينما الهكتار الثاني يبطل فيه ويتحول إلى وصية تصح للمحابى الأجنبي في ثلث تركته وما زاد عنه يتوقف على إجازة الورثة أو الدائنين إن كانوا وتبطل للمُحابى الوارث إلا إذا اجازها الورثة أو الدائنون .

وكذلك إذا كان المشتري هو المحابي المصاب بمرض كوفيد 19 للبائع له، بأن دفع ثمنا يجاوز في قيمته قيمة المبيع فإن ما زاد عن هذه القيمة محاباة يبطل الثمن في حدودها ويسترده الورثة أو الدائنون من البائع ولا يصح الشراء الا في حدود ما يعادل المبيعُ الثمنَ إلا أنه إن كان البائع أجنبيا يأخذ الثلث من تركة المشتري وصيةً فإذا عادلت هذه الزيادة الثلث أخذها كلها وإلا رجع إلى الثلث فيه وما زاد عن ذلك يحتاج إلى إجازة الورثة أو الدائنين وإذا كان وارثا ليس له أخذ شيء إلا بالإجازة كذلك

ومن الفقهاء من جعل المحاباة والتوليج وهو الصورية مسألة واحدة فإذا ثبتت المحاباة في معاوضات المريض مرض الموت بيعا وغيره بطلت المعاملة كلها بلا فرق بين المحاباة والتوليج او الصورية والتوليج هو إدخال البيع على الهبة من أجل إسقاط شرط الحيازة وذلك تحايل يوجب بطلان البيع فإذا ثبت أن المريض بكوفيد 19 باع في مرضه وتوفي منه وكان الثمن الذي باع به غير معادل لقيمة المبيع او فيه محاباة بأقل من الثلث  او كان المشتري هو المحابي للبائع بدفع ثمن أعلى من قيمة المبيع بالثلث فإن البيع يبطل كله. وهذا قول بالبطلان مطلقا وهو نفس الحكم الذي ينص عليه ق ل وع.

بيع المريض بكوفيد 19 المتوفى منه وفق ق ل وع.

ينص على أحكام المريض مرض الموت الفصل 479 من ق ل وع وهو يحيل على الفصلين 344 و345 منه للتفرقة في حكم المحاباة فقط بين المحابى الأجنبي والمحابى الوارث.

والذي يستخلص مما تنص عليه هذه الفصول أن المحاباة تبطل البيع مطلقا فإذا ثبتت في البيع من جانب البائع او المشتري بطل البيع بسببها لأنه بيع محاباة وهو نفس الحكم المشار إليه آنفا في رأي بعض الفقهاء بجعلهم المحاباة توليجا او صورية بإدخال البيع على الهبة تحايلا على شرط الحيازة.

ومرض كوفيد 19 الذي يُتوفى منه المريض ويكون في مرضه باع لمشتر منه او مشترٍ مصاب به يشتري ويحابي البائع ويُتوفى من هذا المرض سواء أُخِذَ فيه بشروط مرض الموت في الفقه او بمطلق المرض وفقا للفصل 479 من ق ل و ع إذا ثبتت المحاباة من أحد المتعاقدين لآخر يبطل بها البيع من غير حاجة إلى الخوض في تحديد طبيعة المرض لأنه مرض خطير وخيم وقاتل فتاك لما شهد به أهل الاختصاص والسلطات الصحية الوطنية والدولية ولما جند له من موارد وطاقات بشرية ومالية ولوجيستيكية دل كل ذلك على خطورته وتهديده وعواقبه وآثاره الجائحية على مستوى الأنفس والاقتصاد والمال والحياة الاجتماعية والاسرية ( عزل الأفراد المصابين عن الأسرة ولو كانوا أطفالا صغارا ذكورا او اناثا والأزواج بعضهم عن بعض ) إضافة إلى الآثار النفسية للمصابين واقربائهم والمضاعفات التي يتركها رغم الشفاء منه.

وحالة العموم لمرض الموت في الفصل 479 بينة، فإذا باع مريض ومات من مرضه وكان في البيع محاباة، أو اشترى وكان في الشراء محاباة بدفع ثمن أعلى من القيمة بالثلث - وإن لم يحدد القانون ما يعد محاباة نقصا أو زيادة - فإن البيع يقع باطلا كله، ويحتج بالبطلان الورثة والدائنون.

ولأن المحابى الوارث لا تصح له الوصية فإن البيع يبطل ولا تنقلب المحاباة وصية، غير أن إقرار الورثة للبيع او اجازتهم له يلزمهم ولم ينص الفصل 344 من ق ل وع على ما إذا كان هذا الإقرار عطية من الورثة وإنما ربط بين البيع وصحته بإقراره، وهو ما يعني أن الإقرار يصححه ولا يحوَّل به إلى عطية منهم.

وأما المحابى الأجنبي في بيع بالثمن أو بالمبيع من المريض مرض الموت بما في ذلك كوفيد 19 فإن البيع يصح له في حدود ثلث تركة الميت بعد سداد الديون ومصروفات جنازته  ويبطل ما عدا ذلك.

ومثل هذه الصيغة تشْكل على فهم الحكم الصحيح لأن تحديد ما يحق للمحابى في الثلث يفهِم الوصية وهي عطية بلا مقابل ويقتضي ذلك استرجاع المحابى ما دفعه ثمنا أو مبيعا، لكن مع ذلك نص الفصل على صحة البيع في حدود الثلث ، وذلك يقتضي نفاذ البيع في ثلث التركة كان الثمن معادلا له أو كان المبيع معادلا أم لا.

والأوفق والله أعلم وأحكم  أن يتحول البيع الباطل إلى وصية تصح لغير الوارث في الثلث ويسترد الثمن إذا كان مشتريا وإذا كان المشتري هو المحابى يأخذ ثلث التركة وصيةً يقدر في المبيع ويرد الباقي.

ويسترد الثمن الذي دفعه لبطلان البيع ولأن الوصية لا ثمن فيها.

تنفيذ الالتزامات التعاقدية في ظل جائحة كورونا المستجد

كما سبق القول ينشأ الالتزام عن العقد التبادلي او المنفرد ويأخذ طبيعته القانونية من طبيعة العمل او الحق الصادر فيه مدنيا او تجاريا او عقد شغل او عقدا إداريا ويكتسب المتعاقد الآخر الحق في تنفيذه على الطرف الذي التزم له فهو حق له والتزام على الطرف الآخر، واثر الالتزام هو تنفيذه، ولا معنى لالتزام بدون تنفيذه ، ولذلك إن امتنع عن التنفيذ يجبر عليه، وينفذ الالتزام عينا او تعويضا عينيا او تعويضا نقديا، بالتنفيذ العيني مثل نقل حق ملكية أو تسليم مبيع او استيراد سلعة او أداء دين أو أداء شغل أو القيام ببناء أو تنفيذ تسليم قرض او تقييد حق او تسليم رهن حيازي أو أداء أعمال وكالة او أداء أجرة او كراء او نقل بضاعة في الداخل او الخارج او تقديم عمال أو رد وديعة او تصدير إلى الخارج او صنع منتج أو تقديم ضمان إلى غير ذلك مما تشتمل عليه العقود من التزامات يستوجب تنفيذها عينا.

ويلتزم الملتزم في القيام بالعمل في حدود طبيعة التزامه الذي يحدده عقده إما تحقيقَ نتيجة او بذل عناية لأنه لا تكليف فوق الإمكان او بالمستحيل، فناقل الملك التزامه التزام نتيجة ومصدّر بضاعة يجب أن يحقق نتيجة التصدير والناقل يجب أن يحقق نتيجة الإيصال والمشتري يجب أن يتسلم المبيع، والملتزم اوصافا معينة او صفات في المنتوج او المبيع يجب أن يتحقق كل ذلك تنفيذا عينيا بتحقيق النتيجة لما التزم به والمودع لديه في العقد الملزم له وحده يحقق التنفيذ عينا بحفظ الوديعة وردها إلى المودع، والمكري والمكتري في التزاماتهما المتبادلة يجب أن يحققا نتيجتها من باب التنفيذ العيني والاغلبية في الملك المشاع عليها أن تحقق نتيجة الإدارة النافعة للملاك والطبيب أحيانا عليه أن يحقق نتيجة عمله الطبي كطبيب التجميل أو إذا التزم اتفاقا أن يؤتي عمله العلاجي نتيجة وإلا فإن التزامه التزام بذل عناية الطبيب اليقظ المتبصر المطلع على الأصول الطبية وعلى تطور علم الطب ومستجداته وتطور علم الأدوية، وعلم الفيروسات والأوبئة، وفي هذا الصدد يتعين عليه أن يصف الدواء المناسب الناجع، وأن يحقق في ذلك النتيجة لا فقط بذل العناية ومن التزامات النتيجة عليه التزام تبصير المريض وأهله بالعقابيل والمضاعفات  والعواقب التي يمكن أن تنجم عن علاجه ولا سيما إن كان هذا العلاج عن طريق إجراء عملية جراحية ومع الأسف يلاحظ لدى بعض الأطباء جهل كبير او تجاهل مقصود بالتزاماتهم المهنية حتى إنهم قد يبدو منهم الاستياء من استفسار المريض او أهله عن العلاج المناسب لأطباء آخرين وهذا الحكم ليس حكم قيمة، وإنما هو أمر واقع ومعيش يشهد به الجميع.

 ولعلاج ربما هكذا عقلية لدى البعض من الأطباء ولا تعميمَ في هذا الصدد وجب عقد دورات تكوينية في الواجبات القانونية للطبيب، لأن في وعيه بواجباته المهنية حماية له أولا، وحماية لصحة الناس الذين قد تنتكس حالتهم الصحية أو قد يتوفون بسبب اتخاذ الطبيب لقرار متسرع وغير مدروس ولا محسوب العواقب.

والموثق والعدلان والمهندس أيا كان اختصاصه، التزاماتهم التزامات تحقيق نتيجة فإذا لم تتحقق يُخلون بتنفيذها.

وعمل المحامي في عقد وكالته عن موكله التزام ببذل عناية لأن الدعوى لا يمكن أن يُضْمَنَ نتيجة الحكم فيها، وهو المبدأ في التزام المحامي وإن كانت بعض القضايا واضحة ولا تحتمل الخسران بالنظر إلى قطع وحسم القانون فيها كقضية عقار محفظ يُستند فيها إلى أثر التحفيظ بالتطهير.

واما الالتزام بعدم القيام بعمل فمثل التزام عدم المنافسة أو عدم القيام بعمل كبناء حائط او فتح مطلات أو عدم إغلاق طريق وتنفيذ الالتزام في هذه الحالة سلبي ، هو عدم القيام بالعمل الملتزم بأن لا يأتيه الملتزم، فإن فعله خالف الالتزام وحينئذ ينفذ التزامه بعدم القيام بعمل بالتعويض العيني او النقدي. ومثال التعويض العيني أن يبني حائطا كان التزم ألا يبنيه في ملكه ، فَيُلْزَمُ بهدمه تنفيذا لالتزامه عن طريق التعويض العيني بينما لو التزم بائع متجر ألا ينافس المشتري في تجارته بعد بيعه له إلا أنه أخذ يتاجر بنفس التجارة التي التزم الا ينافسه بها، فإن إخلافه لالتزامه ينفذه عن طريق التعويض النقدي عن الضرر الذي الحقه به .

لكن ما تأثير تفشي مرض كوفيد 19 على تنفيذ الالتزامات؟

الأصل في تنفيذ الالتزامات تنفيذها عينيا كما سبق القول حسب طبيعة ما يراد تنفيذه من هذه الالتزامات المحددة سلفا بعقودها، فلا ينصب التنفيذ العيني إلا على الحق المحدد في السند المنشئ له، وأي التزام مصيره إلى الانقضاء الحتمي له، فلا يوجد التزام أبدي غير منقضٍ وهو خلاف الحقوق العينية منها الدائمة، ومنها المؤقتة المنقضية كحق الانتفاع والكراء الطويل الأمد، والاستعمال والسطحية والزينة والجزاء والجلسة والاستئجار.

وأسباب انقضاء الالتزامات مذكورة في القانون على سبيل الحصر وخاصة ق ل و ع في الفصل 319  من الوفاء والابراء الاختياري، والتجديد والمقاصة واتحاد الذمة والتقادم، والاقالة الاختيارية، واستحالة التنفيذ.

وأسباب الانقضاء هذه متميزة عن أسباب زوال العقود المولدة للالتزامات كالإبطال والفسخ والرجوع في الوصية والهبة عند جواز الرجوع فيها، وإن كان زوال العقد يؤدي إلى زوال الالتزامات لأن الفرع يتبع الأصل في الزوال فلا يقوم الفرع والأصل ساقط كما أن زوال الالتزامات يستتبع زوال العقود المنشئة لها .

ويرتب عدم تنفيذ الالتزام في جانب المدين تعويض ضرر الدائن اللاحق به، بسبب عدم التنفيذ وبعبارة أخرى تترتب عليه المسؤولية العقدية لإخلاله بتنفيذ التزامه وثبوت خطئه وتسببه في ضرر الطرف الآخر الدائن له، إذا كان هذا الطرف أدى التزامه المقابل او عرض أن يؤديه فيحق له طلب فسخ العقد. وطلب التعويض عن ضرره يقدره القاضي حسب عناصر وأسس واقعية لبيان مدى الضرر للتنسيب بينه وبين التعويض.

ومن بين أسباب انقضاء الالتزام القانونية استحالة التنفيذ متى تحققت شروطها، وليست الاستحالة من قبيل فسخ العقد وإنما ينقضي بها الالتزام ويزول العقد بسبب انقضاء الالتزام لأن انقضاء التزام طرف يستتبع انقضاء التزام الطرف الآخر ولا يمكن أن تبقى للعقد قائمة ، ومفهوم الفسخ أنه جزاء عن الإخلال بالالتزام أو عن المسؤولية العقدية الواجب فيها إثبات الخطأ في جانب المدين.

في حين يُفْتَرَضُ في استحالة التنفيذ عدم نسبة الخطأ إلى المدين ، فلا يد له في حصول هذه الاستحالة في التنفيذ وإنما ترجع إلى سبب أجنبي، فهل عدم تنفيذ التزام في ظل انتشار مرض كوفيد 19 يصدق عليه مفهوم استحالة التنفيذ؟ وما ذا يقصد باستحالة التنفيذ ؟

1-  مفهوم استحالة التنفيذ.

تتحقق استحالة التنفيذ للالتزام إذا أصبح التنفيذ مستحيلا وكانت هذه الاستحالة راجعة إلى سبب أجنبي لا يد للمدين فيه.

ولا تطرأ استحالة التنفيذ إلا إذا نشأ الالتزام ممكنا ، وشرط المحل في العقد أن يكون ممكنا ( القيام بعمل او الامتناع عن عمل ) أو موجودا  إذا كان عينا معينة بالذات، ولا يكفي في انقضاء الالتزام أن يصبح مرهقا للمدين ويجب أن يستحيل تنفيذه .

والاستحالة اما فعلية أو قانونية فالفعلية كهلاك المبيع مثل تلف أزهار نادرة مستوردة بسبب أجنبي، وهلاك كل شيء مبيع قيمي لا يقوم مقامه مثله كما في المثليات، أو بيع مخطوط وقبل تسليمه للمشتري يسرقه سارق،أو يأتي عليه حريق أو مطر فيستحيل أن يسلمه بائعه وينقضي التزامه.

وقد تكون الاستحالة قانونية كمن يبيع عقاره وقبل أن يسلمه او يقيد بيعه في الرسم العقاري تنزع ملكيته على اسمه فيستحيل عليه تنفيذ التزامه وينقضي هذا الالتزام باستحالة تنفيذه، ومثل أن يلتزم طبيب علاج مريض ويصاب بالجنون فيستحيل أن ينفذ التزامه، أو يلتزم صاحب سيارة أجرة نقل شخص فتحجز منه رخصة النقل أو يصاب بمرض يقعده الفراش فلا يستطيع الحركة، وينقضي التزامه باستحالة تنفيذه.

والشرط الثاني لاستحالة التنفيذ بعد الاستحالة الفعلية ألا يكون للملتزم يد في حصول هذه الاستحالة فإذا كان هو السبب فيها لم ينقض التزامه وانقلب إلى تعويض يؤديه للدائن وهو أيضا تنفيذ لالتزامه لكن بالتعويض وليس عينيا.

وإذا أثبت المدين أن استحالة التنفيذ لا ترجع إلى خطئه وانما إلى سبب أجنبي من قوة قاهرة او حدث فجائي أو خطأ الدائن أو خطأ الغير انقضى التزامه لاستحالة التنفيذ وأجنبية السبب عنه، فما هو مفهوم القوة القاهرة ؟ وهل يعتبر مرض كوفيد 19 قوة قاهرة او حدثا طارئا؟ وكيف يؤثر مرسوم فرض الطوارئ الصحية على تنفيذ الالتزامات من حيث إنه فعل الأمير؟

2 مفهوم القوة القاهرة وتمييزها عما يشبهها وهل مرض كوفيد 19 ومرسوم قانون الطوارئ الصحية ومرسوم تطبيقه قوة قاهرة؟ وما هو أثرهما على تنفيذ الالتزامات التعاقدية  ؟

القوة القاهرة حدث اجنبي عن الملتزم غير متوقع وغير مستطاع دفعه او معجوز عن دفعه بالعبارة الفقهية ويُمثَّل لها بالزلازل والعواصف والفيضانات والحروب والأوبئة، ومنها مرض كوفيد 19 والأسر والسرقة والحرائق والغرق والثلج والفتنة والحصار والتشريع بمعناه الواسع من قانون ومراسيم قانونية أو تطبيقية وقرارات وأوامر إدارية كلها تدخل في مفهوم فعل الأمير.

ولا تختلف القوة القاهرة عن الحدث الفجائي فكلاهما غير متوقع ولا مستطاع الدفع والرد ولا يد للملتزم فيهما ، غير أن من الفقهاء من ميز بينهما بأن القوة القاهرة ما كان حدثا خارجيا كالزلازل والعواصف، والحدَثَ الفجائيَّ ما كان داخليا كانكسار آلة وانفجار عجلة وانزلاق سيارة ما لم يكن السبب من مالكها المسؤول كتآكلها.

وفي رأي الأستاذ عبد الرزاق السنهوري لا فرق بين القوة القاهرة والحدث الفجائي لأن شروطهما هي نفسها من عدم إمكان التوقع المطلق بمعنى التوقع المنتظر من أشد الناس فطنة ويقظة - واستحالة الدفع المطلقة بمعنى من أي شخص يوجد في موقفه لا بالنسبة إليه وحده - وألا تكون للمدين يد فيهما ويصدق عليهما أنهما سببان اجنبيان كخطأ الدائن وخطأ الغير .

وإذا ثبتت القوة القاهرة استحال على المدين التنفيذ لا بسبب منه وإنما بسبب أجنبي هو القوة القاهرة أدت إلى انقضاء الالتزام وليس فقط إرهاق المدين فيه واختلال توازن اقتصاديات العقد وهو الفرق بين القوة القاهرة ونظرية الظروف الطارئة التي تجعل تنفيذ التزام المدين مكلفا كثيرا له ومرهقا، ومهددا لذلك بخسارة فادحة له، ففي حالة ألا يستحيل دفع الحوادث الطارئة بعد قيام الالتزام استحالة مطلقة كأن يمكن تأجيله إذا نص القانون على قاعدة عامة للظروف الطارئة في القانون الخاص، وهو ما تنص عليه بعض قوانين الدول كالقانون المدني الإيطالي والقانون البولوني والقانون المدني المصري بينما لا وجود لنص من هذا القبيل في ق ل و ع المغربي ،وإنما يقتصر تطبيق هذه النظرية على القضايا الإدارية لأن أصل هذه النظرية القانون العام الدولي (الاتفاقيات الدولية) وانتقل منه إلى القانون الإداري العام وأول ما طبقها مجلس الدولة الفرنسي سنة 1915 ابان الحرب العالمية الأولى لفائدة شركة التزمت توريد الغاز لمدينة بوردو وارتفعت أسعار الغاز بسبب الحرب فأصبحت كلفة توريدها الغاز مرهقة ومهددة لها بخسارة فادحة، فحكم لها مجلس الدولة بما يتناسب مع السعر الجديد ( س. المجلد الأول ص ٦٣٩).

وفي العقود الإدارية إذا ثبت أن الالتزام أصبح مرهقا للملتزم مع الشخص العام أو بالنسبة للشخص العام مع الطرف الخاص المتعاقد معه، كعقود الصفقات العمومية وعقود التوريد فإن بوسع المحكمة الإدارية أن تنزل السعر او ترفعه بسبب جائحة كوفيد  19 بسبب ما أحدثه من أزمة اقتصادية، ويفسر على أنه حدث طارئ لأن أحكام القضاء الإداري تعتبر أقرب إلى التشريع لاتصالها الوثيق بالمصلحة العامة في حين أن القضاء المدني والتجاري مقيدان بالنصوص القانونية لا يبتعدان عنها إلا استثناء وبغير قليل من الجهد والتسويغ وهي ما يعرف بالقوة القاهرة التي يصبح بها الالتزام مستحيل التنفيذ.

ويبدو لذلك أن مرض كوفيد 19 يؤثر على الالتزامات التعاقدية بوصفه قوة قاهرة يستحيل معه التنفيذ مثل أن يؤدي المكتري الكراء عند حلول أجل الأداء في وقت الهلع والخوف من الإصابة به لانتشاره السريع ولاتصافه بالجائحة سواء بطبيعته الذاتية أو بتصنيفه من لدن السلطات الصحية فلا يترتب على المكترين المطل في الأداء وما يستتبعه من جزاءات كالتعويض وافراغ المحلات المكتراة.

وإضافة إلى جائحة كورونا المستجد كقوة قاهرة يعتبر مرسوم بقانون رقم 292.20.2 الصادر بتاريخ 82 من رجب 1441 الموافق 23 مارس 2020 يتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها ومرسوم رقم 293.20 2 بإعلان حالة الطوارئ الصحية قوة قاهرة لمنع المرسوم مغادرة المنازل والتنقل لكل شخص إلا للضرورة القصوى وبترخيص من السلطات العامة. ويفسر هذا المنع بالقوة القاهرة وكلما لم يتأت تنفيذ التزام بسببه لأنه يستوجب تنقلا لوفائه انقضى بسبب استحالة تنفيذه للقوة القاهرة،  إلا إذا تبين أن هذا الوفاء يمكن أن يتم عن طريق الأداء الالكتروني بواسطة الأبناك مثلا بأن يكون متفقا عليه، أو كان يجري الأداء بهذه الطريقة فإن السبب في عدم وفاء الالتزام عند حلول أجل ادائه يرجع الى المكتري المدين فيترتب مطله في الأداء والجزاءات الأخرى من إفراغ وتعويض.

ومرسوم إعلان الطوارئ منعَ سريان الآجال المنصوص عليها في القوانين التشريعية والتنظيمية، فيدخل في ذلك كل الآجال التي تنص عليها القوانين سواء كانت آجال تقادم او سقوط كآجال تقادم الدعاوى وآجال سقوط الحقوق كآجال الطعون إلا الطعن بالاستئناف بالنسبة للمتابعين في حالة اعتقال ومدد الوضع تحت الحراسة النظرية والاعتقال الاحتياطي وأجل الشفعة وآجال التقييد الاحتياطي وآجال التقييد في الرسوم العقارية وآجال أداء المستحقات الضريبية ومدة الحيازة الاستحقاقية وأجل السنة في الدعوى الحيازية بالنسبة لكل من الحائز والمنتزع حيازته إلى غيرها من الآجالات التي وقفها قانون الحجر الصحي، وهو تشريع بالنص للقوة القاهرة وإلا فإن الوباء او مرض كوفيد 19 بحد ذاته قوة قاهرة تقف بسببه الآجال عن السريان.

ومن المدد الهامة التي يؤثر في زوالها لاستحالة تنفيذ الالتزامات المرتبطة بها المدد الاتفاقية وهذه لا يشملها مرسوم قانون حالة الطوارئ لأنه لم ينص إلا على الآجال القانونية،  المدد المتعلقة بوفاء التزامات عند حلولها كما هو الشأن في الوعود بالبياعات والوعود بالشراءات والعقود الابتدائية كلها، الخاضعة للشريعة  العامة( ق ل و ع) أو القوانين الخاصة كقانون بيع العقار في طور الإنجاز وقانون الكراء المفضي إلى التملك، فأنى ارتبط التزام بأجل صادف حلوله فترة الجائحة، انقضى الالتزام بهذا الأجل بفعل القوة القاهرة ووجب على الواعدين بعد زوال الجائحة أن يوجهوا إنذارات متضمنة لآجال معقولة لانطلاق التزام المدينين بها.

ويفيد مفهوما استحالة التنفيذ والقوة القاهرة زوال الالتزام وانفساخ العقد الذي أنشأه ويتحمل التبعة في العقد الملزم لجانب واحد الدائن، كعقد الوديعة تهلك لدى المودع لديه لأنه لم يتمكن من ردها لمنع التنقل والانتقال ولم تكن له يد في هلاكها وسواء كان هذا المنع بسبب مرسوم إعلان الطوارئ أو مرض فيروس كورونا المستجد خشية الإصابة به ، فإن تبعة هذا الهلاك تقع على المودع، وكذلك إيداع أشياء لا تتلف كلية وإنما تتلف جزئيا أو تتضرر فتقع تبعة نقص قيمتها او تعيبها على المودع الدائن، لأن التزام الوديع انقضى بالقوة القاهرة ولا يوجد التزام في جانب المودع.

وأما في العقود الملزمة لجانبين فإن التبعة تقع على المدين لانقضاء التزامه باستحالة تنفيذه كمن يهلك عنده المبيع قبل أن يسلمه للمشتري بسبب قوة قاهرة فينقضي التزامه باستحالة تنفيذه ويستتبع ذلك انقضاء الالتزام بالنسبة للمشتري فلا يحق للبائع مطالبته بتنفيذ التزام اداء الثمن لأن هذا الالتزام انقضى بانقضاء التزام البائع المقابل له.

انتهى بحمد الله وحسن عونه وتوفيقه وصل اللهم وسلم على خير أنبيائك ورسلك سيدنا ومولانا محمد وآله وصحابته الكرام.

                             محمد بن يعيش

 طنجة في : 10/06/2020.

المراجع المعتمدة :

Ø   قانون الالتزامات والعقود.  

Ø   مرسوم بقانون رقم 292.20.2.بسن أحكام حالة الطوارئ الصحية.    

Ø   مرسوم رقم 293.20.2 بإعلان حالة الطوارئ الصحية.          

Ø   عبد الرزاق السنهوري. الوسيط في شرح القانون المدني الجديد المجلدات 1 و 2 و3. دار النهضة العربية. القاهرة.             

Ø   سليمان مرقس .الوافي في شرح القانون المدني في الالتزامات وفي الفعل الضار والمسؤولية المدنية .المجلد الثاني.

Ø   مامون الكزبري نظرية الالتزامات في ضوء قانون الالتزامات والعقود المغربي، الجزء الاول والجزء الثاني.                      

Ø   الشيخ أحمد الشنقيطي. مواهب الجليل من أدلة خليل.المجلد الثالث.                           

Ø   العلامة محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي .حاشية الدسوقي. الجزء الرابع . دار الكتب العلمية.                      

Ø   ابو الحسن علي بن عبد السلام التسولي.البهجة في شرح التحفة. الجزء الثاني. دار الكتب العلمية.

Ø François - Paul - Blanc. Les obligations et les contrats en droitmarocain ( D.O.C annoté(