هذه المقالة هي عبارة عن تدخل مختصر جدا، شاركت فيه بالندوة الوطنية بتاريخ 16 ماي 2020 والمتعلقة بالأمن القانوني والقضائي في ظل حالة الطوارئ الصحية بالمغرب، في اطار مناقشة المحور الأول من الندوة. المتعلق بتجليات المنظومة القانونية والقضائية بالمغرب، من خلال المستجدات التشريعية المرتبطة بحالة الطوارئ الصحية كحالة استثنائية يمر بها وطننا العزيز.
بعد
تفكير عميق، وارتباطا بأرض الواقع على أساس أن القاعدة القانونية والتشريع بصفة
عامة يرتبط بالسيرورة المجتمعية، وما
تحدثه من تطورات لها أثر مباشر على استقرار وأمن الناس.اخترت هذا الموضوع الذي
يحمل عنوان: "إنهاء علاقة الشغل في ظل زمن الجائحة، مقاربة قانونية
واجتماعية"
وهي مداخلة علمية أكاديمية، تنقسم إلى
محورين:
المحور الأول: المقاربة القانونية لإنهاء
علاقة الشغل في ظل الجائحة فيروس كورونا كوفييد19.
المحور الثاني: المقاربة الاجتماعية لتوقف أو
انهاء عقود الشغل في ظل زمن الجائحة
المحور الأول :المقاربة القانونية لإنهاء علاقة الشغل في
ظل الجائحة فيروس كورونا كوفييد19
كما
لا يخفى على الجميع ،أنه لمعالجة
أي موضوع ينتمي إلى القانون الخاص لا بد من الرجوع النصوص القانونية المؤطرة له في
ظل هذا القانون .ومن ثم فإنه للحديث عن إنهاء علاقة الشغل،ينبغي العودة إلى القانون 65.99 المتعلق
بمدونة الشغل،باعتباره القانون المنظم لعلاقات الشغل .
وبعد تفحص المواد المتعلقة بإيقاف عقد الشغل
أو إنهائه، يمكن القول أنه من الأسباب التي حددها المشرع.لتوقف عقد الشغل مؤقتا
حسب المادة 32 من مدونة الشغل[1]:
أولا: تغيب الأجير لمرض،أو إصابة يثبتها
الطبيب إثباتا قانونيا.
ثانيا: فترة ما قبل وضع الحامل حملها ومابعده
وفق الشروط المنصوص عليها في المادتين 154و156 من م ش.
ثالثا: فترة العجز المؤقت الناتج عن حادثة
شغل أو مرض مهني.
رابعا: فترات تغيب الأجير المنصوص عليها في
المواد 274و275و277 من م ش.
خامسا: مدة الإضراب
سادسا: الإغلاق القانوني للمقاولة بصفة
مؤقتة.
سابعا: انتهاء عقد الشغل المحدد الأجل بحلول
أجله دون أن تكون هناك نية لتجديده.
هذا فيما يخص توقف عقد الشغل أما إنهاءه، فهو
أمر اخر يتعلق بالمادة 33 من القانون65.99 المتعلق ب م ش.حيث يمكن تلخيص أسباب الإنهاء في :
أولا: امتناع أحد أطراف العلاقة التعاقدية عن
تنفيذ التزاماته.
ثانيا: بسبب القوة القاهرة
ثالثا: عجز الأجير وعدم كفاءته.
رابعا: الخطأ الجسيم
خامسا: بطلان العقد لفقده أحد أركانه
كالأهلية مثلا وغيرها من الأركان.
هذه
باختصار مجموعة من الأسباب التي حددها المشرع لتوقيف عقد الشغل أو انهائه.وهنا نتساءل عن
موقع جائحة فيروس كرونا كوفييد 19 من هاته الأسباب.
بمعنى اخر ماهو التكيف القانوني الذي سيجعلنا نموقع هاته الجائحة ضمن أحد
الأسباب،التي حددها المشرع؟ وخصوصا أننا أمام واقعة قانونية،هي توقف الالاف من
الأجراء عن عملهم،[2]
بسبب توقف العديد من المقاولات بمختلف أنواعهاعن الإنتاج.
فهذا واقع اقتصادي واجتماعي خطير،يهدد السلم
الاجتماعي .إذن علينا تجاوزه انطلاقا من الأدوات والاليات القانونية التي يتوفر
عليها المشرع ،حفاظا على الأمن القانوني
والقضائي.بمعنى أخر البحث عن التكيف القانوني المناسب لهذه الواقعة المادية
التي يعيشها أجراء كافة أرجاء المعمورة، ومنها المملكة المغربية.
بتفحص تلك الأسباب التي ذكرنها سابقا، نجد أن
المادة 33 من القانون السالف الذكر،[3]تنص
على "يستوجب قيام أحدالطرفين بإنهاء عقد الشغل المحدد المدة ،قبل حلول أجله
،تعويضاللطرف الاخر،ما لم يكن مبررا،بصدورخطأ جسيم عن الطرف الاخر ،أو ناشئا عن
قوة قاهرة".
وهنا
أسطر على مصطلح القوة القاهرة التي تعتبر أحد الأسباب القانونية لكي يتحلل الأطراف
من التزاماتهم التعاقدية التي تربطهم .ومن
ثم يمكن القول،أن فيروس كورونا هي واقعة مادية لا دخل للإنسانفيها، ويستحيل دفع
الضرر الناتج عنها.فهي وباء عالمي أدى إلى
إيقاف جميع الالتزامات التعاقدية، بما فيها عقود الشغل.فنحن الأن نقف أمام قوة
قاهرة لا يمكن دفعها،لتوفر الشروط المنصوص عليها في الفصل 269 من ق ل ع.
فالقوة القاهرة حسب هذا الفصل هي كل أمر لا
يستطيع الإنسان أن يتوقعه كالظواهر
الطبيعية،ويكون من شأنه أن يجعل تنفيذ الالتزام مستحيلا،ولايعتبر من
قبيل القوة القاهرة الأمر الذي كان من الممكن دفعه،مالم يقم المدين
الدليل على أنه بذل كل العناية لدرئه عن نفسه،وكذلك لا يعتبر من قبيل القوة
القاهرة السبب الذي ينتج عن خطأ سابق للمدين.
فهناك مجموعة من الشروط الأساسية التي يمكننا أن نستشفها من هذا
الفصل،وهي أولا أن يكون حادث خارجي غير متوقع،ثانياشرط استحالة الدفع،ثالثا أن
لايكون للمدين دخل في اثارة هذه القوة القاهرة.
وبتبني هذا الفصل يمكن القول أن جائحة فيروس
كورونا كوفييد،هي قوة قاهرة غير متوقعة لا
دخل للإنسان فيها،ومن المستحيل دفعها،وبطبيعة الحال ليس للمدين دخل في اثارتها،مما
يجعل انتهاء علاقات الشغل في ظل هذه
الجائحة لا تترتب عنها أية مسؤولية مدنية،سواء على عاتق المشغل أو الأجير.لاستحالة
الدفع واستحالة التنفيذ في ظل الظروف
الصعبة التي تمر بها المقاولات،بمختلف أنواعها.
وبالعودة إلى م الشغل،نجد أنه من أسباب إنهاء عقد الشغل، حسب المادة33 هي
القوة القاهرة التي تعتبر من أسباب إنهاء عقد الشغل المحدد المدة قبل حلول أجله،وبما أن جائحة
كرونا فيروس كوفييد 19 هي قوة قاهرة حسب أغلب الفقه.
فإننا أمام وضعية استثنائيةوهي الإغلاق
القانوني المؤقت للمقاولات لأسباب قانونية
بناء على قرار اداري أو لأسباب اقتصادية مماسبب توقف عقود الشغل .فإجراء التوقيف هنا خارج عن ارادة المشغل.
أما المرجع
الذي تم اعتماده من طرف السلطات العامة
للتوقيف المؤقت لهذه
المقاولات فهو مرسوم بقانون 2.20.292
المتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ
الصحية ومرسوم 2.20.293 المتعلق بإعلان حالة الطوارئ الصحية،حيث تم إغلاق مجموعة من المقاولات وأوراش العمل التي تشكل
خطر على الصحة العامة في ظل انتشار وباء
فيروسكرونا كالمطاعم والاندية الرياضية
وغيرها من المقاولات التي كانت تشغل عدد مهم من اليد العاملة. وبطبيعة
الحال هذا التوقيف المؤقت للمقاولات أدى
إلى التوقيف المؤقت لعقود الشغل،وماترتب عنه من اثار اجتماعية سنتعرف عليها في
المحور الثاني من خلال المقاربة الاجتماعية .
المحور الثاني:المقاربة الاجتماعية لتوقف أو انهاء عقود
الشغل في ظل زمن الجائحة
حقيقة أنه لتفادي الاثار الاجتماعية الخطيرة
لهذه الجائحة على عقود الشغل واستمرارية المقاولات،اتخذت الدولة مجموعة من التدابير والاجراءات ذات الحمولة
الاجتماعية،من خلال إحداث لجنة اليقظة الاقتصادية من أجل تتبع وتقييم وضعية
الاقتصاد،واتخاد التدابير المناسبة التي تصبو نحو التخفيف من حدة الأزمة.فتم منح
تعويضات عن فقدان الشغل من طرف الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي من جهة، ومن جهة
أخرى منح مساعدات مالية للعاملين في القطاع الغير المهيكل على أساس أن الحماية القانونية ينبغي أن تشمل جميع المواطنين.
وهو ما اتخذته الحكومة
في مجلسها الحكومي المنعقد يوم الخميس 09 أبريل 2020، من خلال ما أعلنته في البلاغ
الصحفي بشأن النقطة الثالثة من جدول أعمالها، عبر المصادقة، ، على مشروع قانون رقم
25.20 بسن تدابير استثنائية لفائدة المشغلين المنخرطين بالصندوق الوطني للضمان الاجتماعي
والعاملين لديهم المصرح بهم، والمتضررين من تداعيات تفشي جائحة فيروس كورونا ـ
كوفيد 19، هذا المشروع الذي تضمن في
الفقرة الأولى من المادة الرابعة منه، تدبيرايعتبر الفترة المنصوص عليها في المادة
الأولى (أي من 15 مارس 2020 إلى غاية 30 يونيو 2020)، بالنسبة للعاملين المشار
إليهم في المادة المذكورة (أي المصرح بهم برسم شهر فبراير 2020 لدى الصندوق الوطني
للضمان الاجتماعي)، في حكم فترة توقف مؤقت لعقد الشغل وفق أحكام المادة 32 من
مدونة الشغل، مما يعني اعتبار الفترة المذكورة في حكم فترة توقف مؤقت عن العمل بالنسبة
للمشمولين بهذا القانون، وهوأمر ايجابي. يدل على أنالعلاقة التعاقدية مازالت
قائمة.وينبغي أن يشمل أيضا العاملين غير المصرح بهم خلال شهر فبراير 2020 لدى
الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وجميع الأجراء غير المنخرطين به، أي أن تستهدف
القطاعين المهيكل وغير المهيكل، حتى لا يتم تأويل هذا النص تأويلا خاطئا فيتم حرمان الفئة الأخيرة من الأجراء من حقها في
توقف عقد الشغل.
كما قلنا سابقا، تدخل مدة توقف عقد الشغل
بسبب إغلاق المقاولة مؤقتا بموجب قرار إداري،للسلطات المعنية أو بفعل قوة قاهرة ضمن مدد الشغل
الفعلي،وبالتالي تعتبر بمثابة فترات شغل
فعلي حقيقي عند احتساب مدة العطلة السنوية
المؤدى عنها، ولا يمكن إسقاطها من مدة العطلة السنوية المؤدى عنها، فهذا حق خوله
القانون للأجراء ولا مجال للاجتهاد فيه من طرف المشغلين.
ويمكن القول على أن هذه المبادرة الاجتماعية
التي قامت بها الدولة في إطار احداث صندوق التعويض عن فقدان الشغل وصندوقالضمان الاجتماعي، هي صمام الأمان لمواجهة الظروف الصعبة التي يواجهها الأجراء
على إثر فقد مصدر رزقهم بسبب التوقف الاضطراري للمقاولات.وهي تجربة رائدة مقارنة
ببعض الدول التي وقفت مكتوفة الأيدي أمام جحافل من فاقدي عقود الشغل.مما اضطر
هؤلاء إلى البحث أنشطة أخرى مدرة للدخل.
فالاعتماد على التكييف القانوني ليستفيد
الأجراء من تعويضات مادية من طرف صندوق
الضمان الاجتماعي،على أساس أن واقعة جائحة كوفييد 19 هي قوة قاهرة نتج عنها التوقف
الاضطراري والمؤقت للمقاولة.
خاتمة:
ومجمل القول أن اضطرابات علاقات الشغل في ظل
جائحة كورونا،هي وضعية استثنائية سيتم تجاوزها بإذن الله بعد أن يرفع الله عنا هذا
البلاء،فقط ينبغي التعامل بنوع من المرونة مع القواعد القانونية المنظمة لعلاقات
الشغل حفاظا على استقرار المراكز القانونية وعلى العلاقات التعاقدية،حماية لكافة
الأطراف سواء الأجراء أو المشغلين.وهذه مناسبة لإنشاء وكالة وطنية لمواجهة الأزمات
بدل الاكتفاء بصناديق يتم تمويلها بمختلف الموارد .لأن إحداث وكالة وطنية كمؤسسة عمومية لها طبعا مجلس
إداري وطاقم متخصص في تدبير مختلف الأزمات كالجفاف مثلا والأوبئة سيمكننا من تنظيم مختلف
العمليات المتعلقة بمواجهة كافة الحالات الاستثنائية، لأنه حقيقة أن هذا الارتباك
الاداري الذي عرفته مختلف القطاعات للبحث عن حلول ناجعة للتصدي لتداعيات فقدان
الشغل أو انهاءه، يجعلنا نؤكد على ضرورة
إحداث هذه المؤسسة . وان كان التضامن والتآزر الذي أبان عنه المغاربة قد
خفف من الاثار الاقتصادية والاجتماعية الناتجة عن توقف عقود الشغل .لكن بما أننا
دولة المؤسسات فينبغي تأطير هذه العمليات في قالب قانوني لضمان استمرارية التكافل
الاجتماعي.والسلام عليكم.
[1]
المتعلق بمدونة الشغل المادة 32 من القانون 65.99
[2]-حسب المعطيات الإحصائية المتوفرة، في موقع وزارة
الشغل والتكوين المهني ، فقد جرى التصريح في البوابة الإلكترونية المحدثة لهذا
الغرض من طرف 131955 ألف مقاولة تضررت من جائحة كورونا، وهو ما يُقارب نسبة 61 في
المائة من إجمالي المقاولات المنخرطة لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي.أما عدد الأجراء المتوقفين مؤقتا عن العمل
المصرح بهم، فقد بلغ 808199 أجيرا، بمعدل 31 في المائة، أي إن مقاولتين من أصل 3
مقاولات صرحت بتضررها من تداعيات أزمة كورونا، بينما تفيد التصريحات بأن واحدا من
أصل 3 أجراء متوقف مؤقتا عن عمله.
[3]- قانون 99 . 65 المتعلق بمدونة الشغل والمنشور بالجريدة الرسمية عدد 5167 بتاريخ 8
دجنبر 2003 ص 3969