تأثير جائحة فيروس كورونا على آجال تقديم الشيك للوفاء

 عرف العالم منذ القدم انتشار مجموعة من الأمراض والفيروسات التي كانت لها آثار وخيمة على المجتمعات، سواء كانت بفعل الإنسان أو بفعل الطبيعة، حيث يسجل التاريخ مرور البشرية بعدد من الأمراض والفيروسات من قبيل الطاعون، وأنفلونزا الطيور، وأنفلونزا الخنازير، وفيروسإش وان إن وان (H1N1)والإيبولا(EBOLA).[1]

ويعتبر فيروس كورونا (Covid19) إلى جانب فيروس سارس (SARS) وميرس (MERS)من عائلة فيروسات هذا الفيروس المسمى كورونا،والذي تكمن خطورته في سهولة انتقاله عبر الجهاز التنفسي.

والمغرب بدوره لم يسلم من هذا الفيروس ( Covid 19) الذي اعتبرته منظمة الصحة العالمية جائحة لاجتياحه مختلف بقاع المعمور،الشيء الذي جعل السلطات المغربية تتخذ مجموعة من الإجراءات لأجل تفادي الآثار الوخيمة لهذا الفيروس، حيث أعلنت عن توقيف الدراسة والعمل بعدد من القطاعات مثل المحاكم (إلا في بعض الاستثناءات) والالتزام بالمنازل وعدم الخروج إلا للضرورة القصوى.

كما عملت على سن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها، وإعلان حالة الطوارئ الصحية بمختلف أرجاء التراب الوطني لمواجهة تفشي فيروس كورونا المستجد (كوفيد 19).

وفي ظل هذه الأزمة، فإن عددا من الالتزامات قد تقف دون تطبيق، الأمر الذي يجعلنا أمام مسألة تنفيذ الالتزامات الناشئة عن بعض التعاقدات، ولعل أهم هذه الالتزامات التي يطرحها الموضوع تلك التي تتعلق بآجال تقديم الشيك للوفاء؟

فهل يعتبر حامل الشيك الذي لم يستطع تقديمه للوفاء داخل الآجال القانونية حاملا مهملا؟ أم تنطبق عليه حالة القوة القاهرة؟ خاصة وأن إجراء الاحتجاج يقوم به الحامل لدى أعوان كتابة ضبط المحكمة التي يوجد داخل نفوذ اختصاصها، وهو ما يمكنه القيام به في ظل الوضعية الوبائية وحالة الحجر الصحي التي تشهدها بلادنا في الوقت الراهن.

الأمر الذي يجعلنا نتساءلحول إمكانية القول بوجود حالة القوة القاهرة المنصوص عليها قانونا وإعمالها على جائحة فيروس كورونا حتى يتمكن حامل الشيك مناستيفاء مبلغه؟ وإلى أي حد يمكن لهذا الحامل استيفاء مبلغ الشيك وتقديم احتجاجه في حالة التقدم للوفاء خارج الأجل إعمالا للاستثناء الوارد في القوة القاهرة؟

إشكالات من بين أخرى سنعمل على مناقشتها في هذا الموضوع من خلال التقسيم التالي:

المبحث الأول: التكييف القانوني لجائحة فيروس كورونا (كوفيد 19)

المبحث الثاني:أثر القوة القاهرة على الوفاء بقيمة الشيك

المبحث الأول:التكييف القانوني لجائحة فيروس كورونا (كوفيد 19)

يقتضي تحديد التكييف القانوني لجائحة فيروس كورونا تحديد مفهوم القوة القاهرة وشروطها (المطلب الأول) ثم التطرق لتطبيقات جائحة كورونا على القوة القاهرة (المطلب الثاني).

المطلب الأول: مفهوم القوة القاهرة وشروطها

نتناول هذا المطلب في فقرتين،حيث نخصص الأولى لمفهوم القوة القاهرة وفقا لقانون الالتزامات والعقود، والثانية لشروط القوة القاهرة.

الفقرة الأولى: مفهوم القوة القاهرة

عرف المشرع المغربي القوة القاهرة من خلال الفصل 269 من قانون الالتزامات والعقود[2] بكونها:"كل أمر لا يستطيع الإنسان أن يتوقعه، كالظواهر الطبيعية (الفيضانات والجفاف، والعواصف والحرائق والجراد) وغارات العدو وفعل السلطة، ويكون من شأنه أن يجعل تنفيذ الالتزام مستحيلا.

ولا يعتبر من قبيل القوة القاهرة الأمر الذي كان من الممكن دفعه، ما لم يقم المدين الدليل على أنه بذل كل العناية لدرئه عن نفسه.

وكذلك لا يعتبر من قبيل القوة القاهرة السبب الذي ينتج عن خطأ سابق للمدين".

وقد عرف الفقيه إلبيونالقوة القاهرة بأنها  كل ما لم يكن في وسع الإدراك الآدمي أن يتوقعه، وإذا أمكن توقعه فإنه لا يمكن مقاومته[3].

كما جاء في قرار لمحكمة النقض[4] أن القوة القاهرة هي كل أمر لا يستطيع الإنسان أن يتوقعه، ويكون من شأنه أن يجعل تنفيذ الالتزام مستحيلا.

من خلال الفصل 269 من ق ل ع يمكن القول إن وجود القوة القاهرة رهين بتوفر عدد من الشروط.

الفقرة الثانية: شروط القوة القاهرة

يشترط في تحقق القوة القاهرة أن يكون الحادث غير ممكن توقعه ولا دفعه، ولا يمكن أن يكون للمدين يد في حصوله.

أولا: عدم التوقع

يعني التوقعألا يخطر في الحسبان حصول مثله عند وقوع الفعل الضار[5] فلا يمكن اعتبار قوة قاهرة الفعل الذي يمكن توقعه، لأنه ينطوي على عنصر المباغتة والمفاجأة[6] .

فإذا كان الفعل مما يمكن توقعه انتفت معه القوة القاهرة، وهو ما يستفاد بصريح العبارة من نص الفقرة الأولى من الفصل 269 من ق ل ع بقولها " القوة القاهرة هي كل أمر لا يستطيع الإنسان أن يتوقعه ".

كما أن هذا المعيار أي عدم التوقع هو معيار موضوعي يرتبط تقديره على مقياس الإنسان العادي الحريص، وليس على الإنسان الشديد الذكاء.

ثانيا: استحالة الدفع

أي عدم القدرة على الدفع، وكذا معيار استحالة الدفع، بمعنى أن يكون مستحيل الدفع والمقاومة ولا يمكن للمدين دفع وقوعه ولا حتى تلافيه والتخلص من نتائجه [7].

وهو ما نص عليه الفصل 269 من ق ل ع في الفقرة الثانية منه بقوله:" ولا يعتبر من قبيل القوة القاهرة الأمر الذي كان من الممكن دفعه، ما لم يقم المدين الدليل على أنه بذل كل العناية لدرئه عن نفسه "

ثالثا: عدم صدور خطأ من المدين المتمسك بالقوة القاهرة

أي ألا يكون للمدين دخل في إثارة القوة القاهرة، وألا تكون لإرادة المدين علاقة في إثارة القوة القاهرة، من خلال فعله أو مساهمته أو مشاركته.

حيث نص الفصل 268 من ق ل ع على أن " لا محل لأي تعويض إذا أثبت المدين أن عدم الوفاء بالالتزام أو التأخير فيه ناشئ عن سبب لا يمكن أن يعزى إليه كالقوة القاهرة، أو الحادث الفجائي أو مطل الدائن".

كما لا يعتبر من قبيل القوة القاهرة السبب الذي ينتج عن خطا سابق للمدين (الفقرة الثالثة من الفصل 269 ق ل ع).

المطلب الثاني: تطبيق جائحة كورونا على القوة القاهرة

نتناول في هذا المطلب الإطار القانوني المنظم لجائحة فيروس كورونا (كوفيد 19) في الفقرة الأولى، مع تحديد جائحة كورونا كإحدى حالات القوة القاهرة في الفقرة الثانية.

الفقرة الأولى: الإطارالقانوني المنظم لجائحة كورونا

نص المشرع المغربي شأنه شأن العديد من تشريعات دول العالم على فرض حالة الطوارئ الصحية في البلاد بسبب القوة القاهرة التي تسبب فيها تفشي فيروس كورونا القاتل[8].

حيث نص على مرسوم بقانون رقم 292-20-2 بتاريخ 23 مارس 2020 يتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها[9].

بالإضافة إلى مرسوم رقم 293-20-2 بتاريخ 24 مارس 2020 القاضي بإعلان حالة الطوارئ الصحية بسائر أرجاء التراب الوطني لمواجهة تفشي فيروس كورونا المستجد (كوفيد 19)[10].

الفقرة الثانية: جائحة كورونا كإحدى حالات القوة القاهرة

ينص الفصل 269 من ق ل ع على مجموعة من الوقائع التي تتحقق معها القوة القاهرة على سبيل المثال لا الحصر من قبيل الظواهر الطبيعية (كالفيضانات والجفاف والعواصف والحرائق والجراد)، وغارات العدو وفعل السلطة.

وبذلك  ففيروس كورونا (كوفيد 19) يعد من الوقائع التي تتحقق فيها القوة القاهرة، لكونه جائحة تدخل ضمن الظواهر الطبيعية من جهة، ومن جهة أخرى فإن تأثيرها المتمثل في الحجر الصحي والانعكاسات التي تترتب عليه أساسه التزام أوامر السلطة.

وتعرفالجائحة بكونها كل ما لا يستطاع دفعه مثل الرياح المرسلة التي تتسبب في سقوط المطر والثلوج والبرد[11].

وهنا يثار تساؤل حول المعايير المعتمدة في إطار تحديد استحالة الدفع أو عدم القدرة على الدفع.

ويشير هنا الأستاذ محمد الكشبور إلى أن المعيارين الموضوعي والشخصي ليس وحدهما القادرين على وضع حل ثابت لهذه المسألة، وإنما يضيف تقدير درجة الاستحالة طبقا للمعيار الموضوعي بحيث يترتب عليها عمليا إسقاط جميع الظروف الشخصية المتعلقة بالمدين، ويعتبر ذلك ظلما جد بين.

 كما أن تقدير هذه الحالة بالاعتماد على المعيار الشخصي وحده يؤدي عمليا إلى تعدد الحلول لاختلاف الظروف الذاتية من مدين لآخر[12]

 فجائحة كرونا كما أسماها قانون الطوارئ تدخل ضمن الوقائع التي تتحقق بها القوة القاهرة، لكونها شلت معظم الأنشطةوأوقفت جميع الآجال القانونية، والعملبالمؤسسات التي تستقبل العموم خلال فترة حالة الطوارئ الصحية المعلنة.

المبحث الثاني: أثر القوة القاهرة على الوفاء بقيمة الشيك

نتناول هذا المبحث في مطلبين، نخصص المطلب الأول للوفاء بالشيك، والمطلب الثاني للإعفاء من تقديم الاحتجاج بسببالقوة قاهرة.

المطلب الأول: الوفاء بالشيك

نخصص الفقرة الأولى من هذا المطلبلأحكام التقديم للوفاء بالشيك، والفقرة الثانية لأنواع الوفاء بالشيك التي قد يسلكها الحامل في استخلاصه قيمة الشيك.

الفقرة الأول:التقديم للوفاء

ينقضي الالتزام الثابت في الشيك عن طريق الوفاء به، فهذا الوفاء يعتبر الطريقة الطبيعية  للمهمة التي يقوم عليها الشيك كوسيلة للأداء (الوفاء) حيث تنقضي حياته وتنتهي مهمته بأن يتسلمه البنك المسحوب عليه وتبرأ ذمة الساحب وباقي المدينين فيه[13] .

فهو بذلك يكونمستحق الوفاء بمجرد الاطلاع عليه، وأي إدارج لبيان مخالف لذلك يعتبرلاغيا،كما أن الشيك المقدم للوفاء قبل اليوم المبين في تاريخ إصداره، يجب وفاؤه في يوم تقديمه.

ويجب على حامل الشيك تقديمه للوفاء داخل الآجال التي حددها المشرع في المادة 268 من مدونةالتجارة والمتمثلة فيعشرينيوما إذا كان الشيك صادرا داخل المغرب، وفيستين يوما إذا كان صادرا خارج المغرب تحتسب اعتبارا من اليوم الموالي لسحبه.

ولا يمكن تقديم الشيك للأداء إلا في يوم عمل، أما اذاصادفآخر يوم في أجل التقديم يوم عطلة،فيمدد هذا الأجل إلى أول يوم عمل يلي العطلةـ على أن أيام العطل التي تتخلل أجل التقديم تدخل في الحساب.

أما إذا حالت قوة قاهرة دون تقديم الشيك في الآجال المذكورة، مددت هذه الآجال. وعلى الحامل أن يوجه بدون تأخير إخطارا إلى من ظهر له الشيك بوجود قوة قاهرة وأن يقيد هذا الإخطار ويؤرخه  ويوقعه على الشيك ذاته أو على وصلة، وعند زوال القوة القاهرة يجب على الحامل أن يقدم الشيك  فورا للوفاء وأن يقيم الاحتجاج عند الاقتضاء.

أماإذا استمرت القوة القاهرة أزيد من 15 يوما، تحتسب من تاريخ اليوم الذي أخطر الحامل فيه من ظهر له الشيك بوقوع القوة القاهرة، ولو كان تاريخ الاخطار واقعا قبل انقضاء أجل تقديم الشيك.

كما أن الأفعال الشخصية لحامل الشيك أو من كلف بتقديم الشيك للوفاء لا يمكن أن تدخل في إطار القوة القاهرة.

وقد نصت المادة 304 من م.ت على أنه " لا يمنح أي إمهال قانوني أو قضائي إلا في الأحوال المنصوص عليها في المادة 291" أي في غير حالة القوة القاهرة.

وإذا حصل وحدث عدم التقديم فإنه لا يترتب عليه بطلان الشيك أو فقدان الحامل أو المستفيد لحقه في المؤونة أو الرصيد، وإنما يترتب عليه سقوط دعوى الرجوع التي هي للحامل تجاه المظهرين والملتزمين بالشيك[14].

أما الساحب فيظل ملتزما تجاه الحامل بضمان وفاء الشيك ولو لم يقدمه الحامل للوفاء خلال مدة التقديم،

أما بخصوص مكان الوفاء فيجب أن يقدم الشيك في المكان المذكور بجانب اسم المسحوب عليه، ما لم يرد في الشيك خلاف ذلك.

وفي حالة ذكر تعدد الأمكنة إلى جانب اسم المسحوب عليه فيكون الشيك مستحق الوفاء في المكان المذكور أولا، أما إذا خلا الشيك من الأمكنة فيكون مستحق الوفاء في المكان الذي يوجد فيه المقر الرئيسي للبنك المسحوب عليه.

الفقرة الثانية: أنواع الوفاء

يمكن التمييز بين نوعين من الوفاء بالشيك ويتعلق الأمر بكل من:

أولا: الوفاء الكلي

يعتبر الوفاء الكلي للشيك هو الأصل لأن الشيك يتضمن أمرا بأداء المبلغ الذي يحمله، فقيام المسحوب عليه بالأداء الكلي للمبلغ المذكور في الشيك يبرأ ذمة كافة الموقعين عليه.

وعلى المؤسسة البنكية بعد التأكد من هوية الحامل الشرعي للشيك وصحة البياناتوالتوقيع أن تقوم بالوفاء ان كانت لديها مؤونة ولو بعد انقضاء أجل التقديم[15] ويستمر هذا الالتزام إلى أن تنقضي دعوى الالتزام الصرفي بالتقادم وهو سنة واحدة تجاه المسحوب عليه، وستة أشهر تجاه الساحب تحتسبان معا من تاريخ انقضاء أجل التقديم (المادة 271 ق ج).

أما إذا رفضت المؤسسة البنكية الوفاء بالشيك،فيتعين عليها أن تفصح عن السبب الذي دفعها الى رفض هذا الوفاء، لأن سبب رفضها قد يكون هو عدم اكتمال الشروط الضرورية لصحة الشيك أو عدم مطابقة توقيع الساحب للنموذج المودع لديها، أو وجود تشطيب،إلى غيرها من الأسباب المحتملة.

أما إذا كان رفضها الوفاء دون تعرض الشيك لهذه الأسباب، وتوفره على مؤونة فإنها تتحمل المسؤولية تجاه الحامل والغير الذي لحق به ضرر من جراء عدم الوفاء ولو لم يكن طرفا في الشيك، وتجاه الساحب أيضا، بإصلاح الأضرار التي لحقت به من عدم تنفيذ أمره بالأداء وللمساس بسمعته وائتمانه.

ذلك أن الفقرة الثانية من المادة 309 م ت نصت صراحة على أن " كل مؤسسة بنكية ترفض وفاء شيك سحب على صناديقها سحبا صحيحا وكانت لديها مؤونة ودون أن يكون هناك أي تعرض تعتبر مسؤولة عن الضرر الحاصل للساحب عن عدم تنفيذ أمره وعن المساس بائتمانه".

ثانيا: الوفاء الجزئي

يجوز وفاء الشيك وفاء جزئيا ولا يمكن للحامل أو المستفيد أن يرفضه إذا ما عرض عليه [16]، تحت طائلة تحمله وحده المسؤولية، أي سقوط حقه في الرجوع على باقي الملتزمين بالمبلغ الجزئي المعروض والذي رفض من طرفه، لأن الأداء الجزئي يبرئ ذمتهم في حدود المبلغ الذي رفض الحامل استيفاءه[17].

كما أن البنك المسحوب عليه الشيك لا يحق له رفض الوفاء الجزئي إذا طلب منه، وإذا كانت المؤونة أقل من مبلغ الشيك،  يحق للحامل أن يطالب بالوفاء بما هو متوفر.

أما في حالة ماإذا كانت المؤونة أقل من مبلغ الشيك، فإن المؤسسة البنكية المسحوب عليها ملزمة بعرض أداء الشيك على الحامل أو المستفيد في حدود المؤونة المتوفرة، ولا يمكن للمسحوب عليه أن يرفض هذا الأداء الجزئي (المادة 273 م ت).

ويحق للبنك المسحوب عليه في حالة الوفاء الجزئي أن يطالب بذكر هذا الأداء على الشيك ذاته [18] وأن له مخالصة بما أداه، ويعفى التوصيل المثبت على سند مستقل كالتوصيل على الشيك ذاته من واجبات الدمغة أو التنبر.

وفيما يخص الجزء المتبقي من المبلغ الأصلي، يلزم الحامل بإقامة احتجاج عدم وفائه حتى يتمكن من الرجوع على الساحب وباقي الملتزمين بالنسبة لما تبقى من مبلغ الشيك، لأن هؤلاء لا تبرأ ذمتهم  إلا في حدود القدر المؤدى من المبلغ الأصلي للشيك.

المطلب الثاني: الإعفاء من تقديم الاحتجاج بسبب القوة قاهرة

قد يتأثر تقديم الاحتجاج لسبب عدم تقديم الشيك للوفاء خارج الآجال القانونية للتقديم بسبب قوة قاهرة حالت دون هذا التقديم (الفقرة الأول)، كما قد يطرح التساؤل حول كيفية تقديم هذا الاحتجاج في ظل جائحة كورونا وإقرار نظام الحجر الصحي وما قد يترتب عليه (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى:القوة القاهرة

إذا حالت قوة قاهرة دون تقديم الشيك في الآجال المذكورة كما سبق وأن رأينا، مددت هذه الآجال وعلى الحامل أن يوجه بدون تأخير إخطارا إلى من ظهر له الشيك بوجود قوة قاهرة وأن يقيد هذا الإخطار ويؤرخه  ويوقعه على الشيك ذاته أو على وصلة.

وعند زوال القوة القاهرة يجب على الحامل أن يقدم الشيك فورا للوفاء وأن يقيم الاحتجاج عند الاقتضاء.

فهذا الاحتجاج هو إجراء لا بد منه يمكن الحامل من الرجوع على الملتزمين بالشيك بصفتهم فرادى أو مجتمعينفي حالة ما إذا رفضالبنك المسحوب عليه الوفاء به.

وإذا كان الأصل أن إقامة الاحتجاج يكون قبل انتهاء أجل التقديم بـ (20 أو 60 يوما حسب الأحوال)[19]، فإنه إذا اعترضته قوةقاهرة، ولم يقع التقديم يمكن إقامة الاحتجاج في أول يوم عمل يلي القوة القاهرة.

هذا ويقام الاحتجاج بواسطة أعوان كتابة الضبط للمحكمة الموجود بدائرتها موطن الملزم بوفاء الشيك، أو أي موطن معروف له، إعمالا لمقتضياتالمواد 298 و300 من مدونة التجارة.

على أن الاحتجاج يجب أن يتضمنالتظهيرات والإنذار بالوفاء بقيمة الشيك، ويبين  فيهالعنوان وحضور أو غياب الملزم بالوفاء وأسباب رفض الوفاء والعجز عن التوقيع أو رفضه، كما يشار في حالة الوفاء الجزئي إلى المبلغ الذي تم أداؤه.

كما يلزم أعوان كتابة الضبط بأن يشيروا في نص الشيك إلى الاحتجاج وتاريخه مع توقيعهم عليه، وتبليغ الساحبالاحتجاج.

ولحامل الشيك في حالة عدم الوفاء عند انتهاء أجل ثلاثين يوما بعد الحجز، أن يعمد إلى طلب بيع الأشياء المحجوزة.

غير أن المشرع المغربي في إطار إعمال مبدأ إجبارية الاحتجاج، استثنى حالتين وفقاللمـادة 291 والمادة 299 من مدونة التجارةويتعلق الأمر بكل من:

·        فقدان الشيك 

·       القوة القاهرة

الفقرة الثانية: إقامة الاحتجاج في ظل جائحة كورونا

كما سبق وأن رأينا أعلاه فانحامل الشيك في إطار الرجوع الصرفي يكون ملزما بإقامة الاحتجاج على الملتـزمين بالشيك أمام كتابة ضبط المحكمة المختصة إعمالا للمقتضيات المنصوص عليها في المواد 297 و298 من مدونة التجارة.

غير أن الحالة التي نعيشها في ظل جائحة فيروس كورونا واتخاذ المغرب مجموعة من إجراءات الاحتياط أهمها الوضع تحت الحجر الصحي وعدم مغادرة المنازل إلا للضرورة وتعليق العمل بمحاكم المملكة ( إلا فيما يخص بعض الاستثناءات) قد يقف حائلا بين وصول حامل الشيكإلى كتابة ضبط المحكمة المختصة قبل انقضاء أجل التقديم القانوني.

فهل يمكن القول بفـواتأجل التقديم القانوني للشيك وبالتالي انتهاء أجل تقديم الاحتجاج وأن الحامل يدخل في خانةالحامل المهمل، وبالتالي سـقوط حقه في الرجوع الصرفي؟ أم أن الحامل في هذه الحالة قد يمنح آجالا إضافية وفقا للقوة القاهرة، وبالتالي يكون له الحق في إقامة الاحتجاج مباشرة بعد رفع الحجر الصحي بالبلاد؟

كإجابة عن هذا التساؤل يمكن الانطلاق من نقطتين أساسيتين:

النقطة الأولى:

إن مقتضيات المادة 291 من مدونة التجارة تنص على أنه، إذا حالت قوة قاهرة دون إقامة الاحتجاج قبل انقضاء أجل التقديم مددت تلك الآجال.

وأنه على الحامل أن يوجه بدون تأخير، إخطارا إلى من ظهر له الشيك بوجود حالة القوة القاهرة وأن يقيد هذا الإخطار و يؤرخه و يوقعه على الـشيك ذاته أو على وصلة ملحقة.

كما يجب على الحامل، بمجرد انتهاء حالة القوة القاهرة، أن يقيم الاحتجـاج عنـد الاقتضاء على أنه إذا استمرت القوة القاهرة أكثر من خمسة عشر يوما وتحسب هذه المدة من تاريخ اليوم الذي قام فيه الحامل بإخطار من ظهر له الشيك بوقوع القوة القاهرة، ولو كان هذا التاريخ واقعا قبل انقضاء أجل تقديم الشيك، جاز الرجوع من غير حاجة إلى تقديم الشيك أو إقامة الاحتجاج، ما لم تكن دواعي الرجوع موقوفة لمدة أطول بمقتضى نصوص خاصة[20].

النقطة الثانية:

وتتمثل في كونإقرار السلطات المغربية الوضع تحت الحجر الصحي وإقرارها تعليق العمل بعدد من القطاعات بسبب جائحة فيروس كورونا تفرض على حامل الشيك الالتزام بقرارات السلطات المختصة، وبالتالي تأجيل إجرائه لهذا الاحتجاج إلى ما بعد إقرار السلطة الانتهاء من الحجر الصحي، على أن يكون في أول يوم يلي انتهاء الحجر.

وبذلك يمكن القول بتطبيق القواعد التي تنطبق على حالة القوة القاهرة على الوضع الوبائي الذي نعيشه في ظل تفشي جائحة فيروس كورونا. 

 خصوصا وأن  الاستثناء من مبدأ إجبارية الاحتجاج حاضر في القوة القاهرة وبالتالي حاضر مع جائحة فيروس كورونا.

الخاتمة:

من خلال دراستنا لموضوع تأثير جائحة فيروس كورونا حاولنا قدر المستطاع الإحاطة بالجوانب الأساسية للموضوع من خلال تحديد التكييف القانوني لجائحة فيروس كورونا انطلاقا من القواعد العامة المنظمة لحالة القوة القاهرة وإعطاء تطبيق لجائحة كورونا على هذه الأخيرة وتحديد العناصر التي تم الاستناد عليها لاعتبارها حالة من حالات القوة القاهرة انطلاقا من الفصل 269 من ق ل ع، وصولا الى القوانين الحديثة الصادرة لمواجهة هذه الجائحة والمتمثلة في مرسوم قانون رقم 292-20-2 بتاريخ 23 مارس 2020 المتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها، و مرسوم رقم 293-20-2 بتاريخ 24 مارس 2020 القاضي بإعلان حالة الطوارئ الصحية بمختلف أرجاء التراب الوطني لمواجهة تفشي فيروس كورونا المستجد.

كما عملنا على تحديد أثرالقوة القاهرة المتمثلة في جائحة فيروس كورونا على الوفاء بقيمة الشيك، خاصة وأن الوضع تحت الحجر الصحي قد يحول دون تقديم الشيك للوفاء داخل الآجال القانونية، وما قد يترتب عليه من أحكام الوفاء سواء كان كليا أو جزئيا.

إلى جانب ذلك تطرقنا إلى الإعفاء من إجراء الاحتجاج في ظل القوة القاهرة ومن خلالها الإعفاء من تقديم الاحتجاج في ظل جائحة فيروس كورونا باعتبارها حالة من حالات القوة القاهرة.

لنخلص إلى أن الموضوع يكتسي أهمية بالغة في إطارالمنظومة القانونية التي نشتغل بها في ظل الوضعية الوبائية التي يعيشها العالم بأسره، شأنه في ذلك شأن العديد من المواضيع التي تهم عددا من الالتزامات المنظمة قانونا، والتي تناولها عدد من الباحثين بالدراسة و التحليل وربطوها بحالة الوباء والحجر التي تعرفها بلادنا، وأخرى لازالت في انتظار تناولها من طرف الباحثين للبحث لها عن حلول قانونية.



[1] - فايزة سيف الدين، الوباء وتعامل قطاع التأمين مع آثاره، مجلة الرائد العربي، عدد 95، دمشق، ص:11

[2] ظهير الالتزامات والعقود الصادر بتاريخ 12 أغسطس 1913 ( 9 رمضان 1331).

[3] حسين عامر وعبد الرحيم عامر، المسؤولية المدنية التقصيرية العقدية، الطبعة الثانية، دار المعارف القاهرة، ص:391

[4] قرار صادر بتاريخ 15/01/2008

أورده محمد بفقير، قانون الالتزامات والعقود والعمل القضائي المغربي، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، 2010، ص:169

[5] فريدة اليرموكي، علاقة السببية في مجال المسؤولية التقصيرية بين رأي الفقه وموقف القضاء دراسة مقارنة، الطبعة الأولى، 2009، ص:252

[6] ابراهيم أحطاب، فيروس كورونا كوفيد 19 بين القوة القاهرة ونظرية الظروف الطارئة، مقال منشور بموقع مجلة العلوم القانونية

[7] حسين عامر وعبد الرحيم عامر،المسؤولية المدنية التقصيرية العقدية، م س، ص: 394

[8] امينة رضوان، مدى مساهمة فيروس كورونا في انهاء العلاقة الشغلية، مقال منشور في مجلة مغرب القانون الالكترونية بتاريخ 24 مارس 2020 على الساعة 09:20

[9] مرسوم بقانون رقم 292-20-2 بتاريخ 23 مارس 2020 يتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الاعلان عنها، صادر بالجريدة الرسمية عدد 6867 مكرر بتاريخ 24 مارس 2020(29 رجب 1441)

[10] مرسوم رقم 293-20-2 بتاريخ 24 مارس 2020 بإعلان حالة الطوارئ الصحية بسائر أرجاء التراب الوطني لمواجهة تفشي فيروس كورونا المستجد صادر بالجريدة الرسمية عدد 6867 مكرر بتاريخ 24 مارس 2020(29 رجب 1441)

[11] صليحة حاجي، تداعيات فيروس covid 19  على وسائل الأداء والائتمان،مقال منشور على موقع مجلة مغرب القانون بتاريخ 20 أبريل 2020 على الساعة 09:03.

[12] محمد الكشبور، نظام التعاقد ونظريتا القوة القاهرة والظروف الطارئة: دراسة مقارنة ، مطبعة دار النجاح الجديدة، الدار البيضاء 1993، ص:35

[13] محمد مومن، أحكام وسائل الأداء والائتمان في القانون المغربي،مطبعة الوراقة الوطنية، مراكش،الطبعة الأولى 2013، ص:398.

[14] أحمد شكري السباعي، الوسيط في الأوراق التجارية، الجزء الثاني: في اليات أو أدوات الوفاء (الشيك ووسائل الأداء الأخرى) دار نشر المعرفة للنشر والتوزيع، الرباط، الطبعة الثالثة، 2009، ص: 192.

[15] قرار لمحكمة النقض عدد 581 بتاريخ 25/05/2005 في الملف التجاري عدد 681/3/2/2004 منشور في مجلة قضاء المجلس الأعلى، الاصدار الرقمي، 2007، العدد 66، ص:136.

[16]Renault Salamon, Précis de droit commercial Presse Universitaire de France, 1ère édition 2005, p : 404

[17] أحمد شكري السباعي، الوسيط في الأوراق التجارية، الجزء الثاني، م س، ص:229.

[18]Renault Salamon, Précis de droit commercial, op cit, p : 404

[19] 20 يوما اذا كان اصدار الشيك داخل المغرب، و 60 يوم اذا كان صادرا خارج المغرب .

[20]  صليحة حاجي، تداعيات فيروس covid 19  على وسائل الأداء والائتمان،مقال منشور على موقع مجلة مغرب القانون بتاريخ 20 أبريل 2020 على الساعة 09:03.